للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اتبعوني أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) [غَافِرٍ: ٣٨ - ٤٠] يَدْعُوهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى طَرِيقِ الرَّشَادِ وَالْحَقِّ وَهِيَ مُتَابَعَةُ نَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى وتصديق فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ رَبِّهِ، ثُمَّ زَهَّدَهُمْ فِي الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ الْفَانِيَةِ الْمُنْقَضِيَةِ لَا مَحَالَةَ، وَرَغَّبَهُمْ فِي طَلَبِ الثَّوَابِ عِنْدَ اللَّهُ الَّذِي لَا يُضَيِّعُ عَمَلَ عَامِلٍ لَدَيْهِ.

الْقَدِيرِ الَّذِي ملكوت كل شئ بِيَدَيْهِ، الَّذِي يُعْطِي عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيرًا، وَمِنْ عَدْلِهِ لَا يُجَازَى عَلَى السَّيِّئَةِ إِلَّا مِثْلَهَا.

وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ الَّتِي مِنْ وَافَاهَا - مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ - فَلَهُمُ الْجَنَّاتُ (١) الْعَالِيَاتُ، وَالْغُرَفُ (٢) الْآمِنَاتُ، وَالْخَيْرَاتُ الْكَثِيرَةِ الْفَائِقَاتُ، وَالْأَرْزَاقُ الدَّائِمَةُ الَّتِي لَا تَبِيدُ.

وَالْخَيْرُ الَّذِي كُلُّ مَا لَهُمْ مِنْهُ فِي مَزِيدٍ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي إِبْطَالِ مَا هُمْ عَلَيْهِ وَتَخْوِيفِهِمْ مما يصيرون إليه فقال (ويا قوم مالي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ.

لا جرم أن ما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ.

فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ.

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر: ٤١ - ٤٦] كان يدعوهم إلى عبادة رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الذي يقول لشئ كُنْ فَيَكُونُ وَهُمْ يَدْعُونَهُ إِلَى عِبَادَةِ فِرْعَوْنَ الْجَاهِلِ الضَّالِّ الْمَلْعُونِ، وَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ

بُطْلَانَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ مَا سِوَى اللَّهِ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْأَوْثَانِ وَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مِنْ نَفْعٍ وَلَا إِضْرَارٍ (٣) فَقَالَ (لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) أَيْ لَا تَمْلِكُ تَصَرُّفًا وَلَا حُكْمًا فِي هَذِهِ الدَّارِ فَكَيْفَ تَمْلِكُهُ يَوْمَ الْقَرَارِ * وَأَمَّا الله عزوجل فَإِنَّهُ الْخَالِقُ الرَّازِقُ لِلْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ وَهُوَ الَّذِي أَحْيَا الْعِبَادَ وَيُمِيتُهُمْ وَيَبْعَثُهُمْ فَيُدْخِلُ طَائِعَهُمُ الْجَنَّةَ وعاصيهم إلى النَّارَ.

ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ إِنْ هُمُ اسْتَمَرُّوا عَلَى الْعِنَادِ بِقَوْلِهِ (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) قال الله (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا) أي بإنكاره سلم (٤) مما أصابهم


(١) في نسخة: الدرجات العاليات.
(٢) في نسخة: والغرف والخيرات.
(٣) في نسخة: لا تملك لا نفعاً ولا ضراً.
(٤) بعد تهديده ووعيده لهم، تأمروا عليه لقتله - أي لمؤمن آل فرعون - ففوض أمره لله.
قال مقاتل: فهرب إلى الجبل ولم يقدروا عليه، وقال قتادة: نجاه الله مع بني إسرائيل.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>