للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَمَكْرِهِمْ فِي صَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مِمَّا أَظْهَرُوا لِلْعَامَّةِ مِنَ الْخَيَالَاتِ وَالْمُحَالَاتِ الَّتِي لَبَّسُوا (١) بِهَا عَلَى عَوَامِّهِمْ وَطَغَامِهِمْ وَلِهَذَا قَالَ (وَحَاقَ) أَيْ أَحَاطَ (بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ.

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً) أَيْ تُعْرَضُ أَرْوَاحُهُمْ فِي بَرْزَخِهِمْ (٢) صَبَاحًا وَمَسَاءً عَلَى النَّارِ (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر: ٤٥ - ٤٦] وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى دَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ فِي التَّفْسِيرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَالْمَقْصُودُ أنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُهْلِكْهُمْ إِلَّا بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ وَإِرْسَالِ الرَّسُولِ إِلَيْهِمْ وَإِزَاحَةِ الشُّبَهِ عَنْهُمْ، وَأَخْذِ الحجة عليهم منهم، بالترهيب (٣) تَارَةً وَالتَّرْغِيبِ أُخْرَى كَمَا قَالَ تَعَالَى.

(وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ.

فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.

وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ.

فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) [الْأَعْرَافِ: ١٣٠ - ١٣٣] .

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ ابْتَلَى آلَ فِرْعَوْنَ وَهُمْ قَوْمُهُ مِنَ الْقِبْطِ بِالسِّنِينَ وَهِيَ أَعْوَامُ الْجَدْبِ الَّتِي لَا يُسْتَغَلُّ فِيهَا زَرْعٌ وَلَا ينتفع بضرع وقوله (وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ) وَهِيَ قِلَّةُ الثِّمَارِ مِنَ الْأَشْجَارِ (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي فلم ينتفعوا ولم يرعوا بَلْ تَمَرَّدُوا وَاسْتَمَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ (فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ) والخصب ونحوه (قَالُوا لَنَا هَذِهِ) أَيْ هَذَا الَّذِي نَسْتَحِقُّهُ وَهَذَا الَّذِي يَلِيقُ بِنَا (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ) أَيْ يَقُولُونَ هَذَا بِشُؤْمِهِمْ أَصَابَنَا هَذَا، وَلَا يقولون في الأول أنه ببركتهم وحسن مجاورتهم [لهم] (٤) وَلَكِنَّ قُلُوبَهُمْ مُنْكِرَةٌ مُسْتَكْبِرَةٌ نَافِرَةٌ عَنِ الْحَقِّ إِذَا جَاءَ الشَّرُّ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ، وَإِنْ رَأَوْا خَيْرًا ادَّعَوْهُ لِأَنْفُسِهِمْ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ) أَيِ اللَّهُ يَجْزِيهِمْ عَلَى هَذَا أَوْفَرَ الْجَزَاءِ (وَلَكِنَّ أكثرهم لا يعلمون) [الاعراف: ١٣٢] (وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بهما فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) [الأعراف: ١٣٣] أَيْ مَهْمَا جِئْتَنَا بِهِ مِنَ الْآيَاتِ - وَهِيَ الْخَوَارِقُ لِلْعَادَاتِ (٥) فَلَسْنَا نُؤْمِنُ بِكَ وَلَا نَتَّبِعُكَ وَلَا نُطِيعُكَ ولو جئتنا لكل آيَةٍ (٦) وَهَكَذَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا


(١) في النسخ المطبوعة: ألبسوا.
(٢) في نسخة: في البرزخ.
(٣) في النسخ المطبوعة: فبالترغيب.
(٤) سقطت من النسخ المطبوعة.
(٥) في نسخة: وهي خوارق العادات (٦) قال القرطبي في تفسيره: بقي موسى في القبط بعد إلقاء السحرة سجدا عشرين سنة يرميهم الآيات إلى أن أغرق الله فرعون: وعن نوف قال: أربعين سنة.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>