للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووليت من ذلك ما وليت، فإن يك خيرا فأنا أسعد به، وإن كان غير ذلك شقيت به، فارفق بالناس وأغمض عما بلغك من قول تؤذي به وتنتقص به، وطأ عليه يهنك عيشك، وتصلح لك رعيتك، وإياك والمناقشة وحمل الغضب، فإنك تهلك نفسك ورعيتك، وإياك وخيرة أهل الشرف واستهانتهم والتكبر عليهم، ولن لهم لينا بحيث لا يروا منك ضعفا ولا خورا، وأوطئهم فراشك وقربهم إليك وأدنهم منك، فإنهم يعلموا لك حقك، ولا تهنهم ولا تستخف بحقهم فيهينوك ويستخفوا بحقك ويقعوا فيك، فإذا أردت أمرا فادع أهل السن والتجربة من أهل الخير من المشايخ وأهل التقوى فشاورهم ولا تخالفهم، وإياك والاستبداد برأيك فإن الرأي ليس في صدر واحد، وصدق من أشار عليك إذا حملك على ما تعرف، واخزن ذلك عن نسائك وخدمك، وشمر إزارك، وتعاهد جندك، وأصلح نفسك تصلح لك الناس، لا تدع لهم فيك مقالا فإن الناس سراع إلى الشر، واحضر الصلاة، فإنك إذا فعلت ما أوصيك به عرف الناس لك حقك، وعظمت مملكتك، وعظمت في أعين الناس، واعرف شرف أهل المدينة ومكة فإنهم أصلك وعشيرتك، واحفظ لأهل الشام شرفهم فإنهم أهل طاعتك، واكتب إلى أهل الأمصار بكتاب تعدهم فيه منك بالمعروف، فإن ذلك يبسط آمالهم، وإن وفد عليك وافد من الكور كلها فأحسن إليهم وأكرمهم فإنهم لمن ورائهم، ولا تسمعن قول قاذف ولا ماحل فإني رأيتهم وزراء سوء.

ومن وجه آخر أن معاوية قال ليزيد: إن لي خليلا من أهل المدينة فأكرمه، قال: ومن هو؟ قال: عبد الله بن جعفر. فلما وفد بعد موت معاوية على يزيد أضعف جائزته التي كان معاوية يعطيه إياها، وكانت جائزته على معاوية ستمائة ألف، فأعطاه يزيد ألف ألف، فقال له: بأبي أنت وأمي، فأعطاه ألف ألف أخرى. فقال له ابن جعفر: والله لا أجمع أبوي لاحد بعدك. ولما خرج ابن جعفر من عند يزيد وقد أعطاه ألفي ألف، رأى على باب يزيد بخاتي مبركات قد قدم عليها هدية من خراسان، فرجع عبد الله بن جعفر إلى يزيد فسأله منها ثلاث بخاتي ليركب عليها إلى الحج والعمرة، وإذا وفد إلى الشام على يزيد، فقال يزيد للحاجب: ما هذه البخاتي التي على الباب؟ - ولم يكن شعر بها - فقال: يا أمير المؤمنين هذه أربعمائة بختية جاءتنا من خراسان تحمل أنواع الألطاف - وكان عليها أنواع من الأموال كلها - فقال: اصرفها إلى أبي جعفر بما عليها. فكان عبد الله بن جعفر يقول: أتلومونني على حسن الرأي في هذا؟ - يعني يزيد -.

وقد كان يزيد فيه خصال محمودة من الكرم والحلم والفصاحة والشعر والشجاعة وحسن الرأي في الملك. وكان ذا جمال حسن المعاشرة، وكان فيه أيضا إقبال على الشهوات وترك بعض الصلوات في بعض الأوقات، وإماتتها في غالب الأوقات. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن، ثنا حياة، حدثني بشير بن أبي عمرو الخولاني: أن الوليد بن قيس حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله يقول: " يكون خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون عيا، ثم يكون خلف يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>