للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طوله ستون ذراعا، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن ". قالوا فعمد عوج إلى قمة جبل فاقتلعها ثم أخذها بيديه ليلقيها على جيش موسى فجاء طائر فنقر تلك الصخرة، فخرقها فصارت طوقا في عنق عوج بن عنق (١). ثم عمد موسى إليه فوثب في الهواء عشرة أذرع وطوله عشرة أذرع وبيده عصاه، وطولها عشره أذرع، فوصل إلى كعب قدمه فقتله. يروى هذا عن عوف البكالي ونقله ابن جرير عن ابن عباس وفي اسناده إليه نظر … ثم هو مع هذا كله من الإسرائيليات وكل هذه من وضع جهال بني إسرائيل، فإن الاخبار الكذبة قد كثرت عندهم ولا تميز لهم بين صحتها وباطلها.

ثم لو كان هذا صحيحا لكان بنو إسرائيل معذورين في النكول عن قتالهم، وقد ذمهم الله على نكولهم، وعاقبهم بالتيه على ترك جهادهم، ومخالفتهم رسولهم، وقد أشار عليهم رجلان صالحان، منهم بالاقدام ونهياهم عن الاحجام … ويقال إنهما يوشع بن نون وكالب بن يوقنا (٢) قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطية والسدي والربيع بن أنس وغير واحد (قال رجلان من الذين يخافون) أي يخافون الله وقرأ بعضهم يخافون أي يهابون (أنعم الله عليهما) أي بالاسلام والايمان والطاعة والشجاعة (ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون. وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) أي إذا توكلتم على الله، واستعنتم به، ولجأتم إليه، نصركم على عدوكم، وأيدكم عليهم وأظفركم بهم. (قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون) فصمم ملاؤهم على النكول عن الجهاد، ووقع أمر عظيم ووهن كبير. فيقال إن يوشع وكالب لما سمعا هذا الكلام شقا ثيابهما، وإن موسى وهارون سجدا إعظاما لهذا الكلام وغضبا لله ﷿، وشفقة عليهم من وبيل هذه المقالة (قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) [المائدة: ٣٥] قال ابن عباس (اقض بيني وبينهم). (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين) [المائدة: ٣٠] عوقبوا على نكولهم بالتيهان (٣) في الأرض يسيرون إلى غير مقصد ليلا ونهارا وصباحا ومساء ويقال إنه لم يخرج أحد من التيه ممن دخله بل ماتوا كلهم في مدة أربعين سنة ولم يبق إلا ذراريهم سوى يوشع وكالب . لكن أصحاب محمد يوم بدر لم يقولوا


(١) عوج بن عنق هكذا في الأصول. قال صاحب القاموس مادة (عوق): " وعوق كنوح والدعوج الطويل ومن قال: عوج بن عنق فقد أخطأ " وقال في شرحه: هذا الذي خطأه هو المشهور على الألسنة; قال شيخنا: وزعم قوم من حفاظ التواريخ أن عنق هي أم عوج وعوج أباه فلا خطأ ولا غلط.
(٢) كانا من النقباء الاثني عشر الذين أرسلهم موسى - من أسباط بني إسرائيل - إلى أريحياء من بلاد فلسطين يتجسسون الاخبار.
(٣) التيهان: من التيه وأصل التيه في اللغة الحيرة فيها.
فكانوا سيارة لا قرار لهم يسيرون في فراسخ قليلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>