فِي طَسْتٍ فَأَعْطَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ لِيُرِيقَهُ فَشَرِبَهُ فَقَالَ لَهُ لَا تَمَسُّكَ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ، وَوَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ وَوَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ ".
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: " يَا عَبْدَ اللَّهِ اذْهَبْ بِهَذَا الدَّمِ فأهريقه حَيْثُ لَا يَرَاكَ أَحَدٌ، فَلَمَّا بعُد عَمَدَ إِلَى ذَلِكَ الدَّمِ فَشَرِبَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: ما صنعت بالدم؟ قال: إني شربته لأزداد به علماً وإيماناً، وليكون شئ من جَسَدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جسدي، وجسدي أولى به من الأرض، فقال: ابشر لا تمسك النار أبداً.
وَوَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ وَوَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ ".
وقال محمد بن سعد: أنبأ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا أبو عمران الجوني أن نوفاً كَانَ يَقُولُ: إِنِّي لَأَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ فَارِسُ الْخُلَفَاءِ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: كُنْتُ أمرُّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ يُصَلِّي خَلْفَ الْمَقَامِ كَأَنَّهُ خَشَبَةٌ مَنْصُوبَةٌ لَا يَتَحَرَّكُ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِذَا سَجَدَ وَقَعَتِ الْعَصَافِيرُ عَلَى ظَهْرِهِ تَصْعَدُ وَتَنْزِلُ لَا تَرَاهُ إِلَّا جِذْمَ حَائِطٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَقُومُ لَيْلَهُ حَتَّى يُصْبِحَ، وَيَرْكَعُ لَيْلَهُ حَتَّى يُصْبِحَ، وَيَسْجُدُ لَيْلَهُ حَتَّى يُصْبِحَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَكَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمًا فَقَرَأْتُ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءَ وَالْمَائِدَةَ وَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: كُنْتُ إِذَا
رَأَيْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي كَأَنَّهُ كعب راسب، وَفِي رِوَايَةٍ ثَابِتٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: تَعَلَّمَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الصَّلَاةَ مَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ عَطَاءٍ، وَعَطَاءٌ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ الصِّدِّيقِ، وَالصِّدِّيقُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: لَوْ رَأَيْتَ ابْنَ الزبير يصلي كأنه غصن شجرة يصفقها الريح، والمنجنيق يقع ها هنا وها هنا.
قال سفيان: كأنه لا يبالي به ولا يعده شيئاً.
وَحَكَى بَعْضُهُمْ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ حجراً من المنجنيق وقع على شرفة الْمَسْجِدِ فَطَارَتْ فِلْقَةٌ مِنْهُ فَمَرَّتْ بَيْنَ لِحْيَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَحَلْقِهِ، فَمَا زَالَ عَنْ مَقَامِهِ ولا عرف ذلك في صورته، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَا إِلَهَ إلا الله، جاء مَا وَصَفْتَ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَوْمًا لِابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: صِفْ لَنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ جِلْدًا قَطُّ رُكِّبَ عَلَى لَحْمٍ وَلَا لَحْمًا عَلَى عَصَبٍ وَلَا عَصَبًا عَلَى عَظْمٍ مِثْلَهُ، وَلَا رَأَيْتُ نَفْسًا رُكِّبَتْ بَيْنَ جَنْبَيْنِ مِثْلَ نَفْسِهِ، وَلَقَدْ مَرَّتْ آجُرَّةٌ مِنْ رَمْيِ الْمَنْجَنِيقِ بين لحيته وصدره فوالله ما خشع وَلَا قَطَعَ لَهَا قِرَاءَتَهُ، وَلَا رَكَعَ دُونَ مَا كَانَ يَرْكَعُ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصلاة خرج من كل شئ إليها.
ولقد كان يركع فيكاد الرخم أن يقع عَلَى ظَهْرِهِ وَيَسْجُدُ فَكَأَنَّهُ ثَوْبٌ مَطْرُوحٌ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ قَالَ: أخبرني من رأى ابن الزبير يسرب فِي صَلَاتِهِ وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ الْمُصَلِّينَ.
وَسُئِلَ ابْنُ عبَّاس عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: كَانَ قَارِئًا لِكِتَابِ اللَّهِ، مُتَّبِعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، قَانِتًا لِلَّهِ صَائِمًا فِي الْهَوَاجِرِ مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ، ابْنُ حَوَارِيِّ رَسُولِ اللَّهِ، وَأُمُّهُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ، وَخَالَتُهُ عَائِشَةُ حَبِيبَةُ حَبِيبِ اللَّهِ، زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ، فَلَا يَجْهَلُ حَقَّهُ إِلَّا مَنْ أَعْمَاهُ اللَّهُ.
وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كان يوماً يصلي فسقطت حية من السقط فطوقت عَلَى بَطْنِ ابْنِهِ هَاشِمٍ فَصَرَخَ النِّسْوَةُ وَانْزَعَجَ أَهْلُ الْمَنْزِلِ وَاجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ تِلْكَ