الْحَيَّةَ فَقَتَلُوهَا، وَسَلِمَ الْوَلَدُ، فَعَلُوا هَذَا كُلَّهُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَلْتَفِتْ وَلَا دري بما جرى حَتَّى سَلَّمَ.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الضحاك الخزامي وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَنْ لَا أُحْصِي كَثْرَةً مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يُوَاصِلُ الصَّوْمَ سَبْعًا، يَصُومُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَلَا
يُفْطِرُ إِلَّا لَيْلَةَ الْجُمْعَةِ الْأُخْرَى، وَيَصُومُ بالمدينة ولا يفطر إلا بمكة، ويصوم بمكة فلا يفطر إلا بالمدينة، وَكَانَ إِذَا أَفْطَرَ أَوَّلُ مَا يُفْطِرُ عَلَى لَبَنِ لِقْحَةٍ وَسَمْنٍ وَصَبِرٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَأَمَّا اللَّبَنُ فَيَعْصِمُهُ، وَأَمَّا السَّمْنُ فَيَقْطَعُ عَنْهُ الْعَطَشَ، وَأَمَّا الصَّبِرُ فَيُفَتِّقُ الْأَمْعَاءَ.
وَقَالَ ابْنُ معين: عن روح عن حبيب بن الشيهد عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ الزبير يواصل سبعة أيام ويصبح في الثَّامِنِ وَهُوَ أَلْيَثُنَا.
وَرُوِيَ مِثْلُهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَكُنْ يَأْكُلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سِوَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي وَسَطِهِ.
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لَا يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ إِلَّا ثَلَاثَةَ أيَّام.
وَمَكَثَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ يَنْزِعْ ثَوْبَهُ عَنْ ظَهْرِهِ.
وَقَالَ لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُطِيقُ مَا يُطِيقُهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ الْعِبَادَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَلَقَدْ جَاءَ سَيْلٌ مَرَّةً فَطَبَّقَ الْبَيْتَ فَجَعَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَطُوفُ سِبَاحَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لَا يُنَازَعُ فِي ثَلَاثٍ، فِي الْعِبَادَةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْفَصَاحَةِ.
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عُثْمَانَ جَعَلَهُ فِي النَّفر الَّذِينَ نَسَخُوا الْمَصَاحِفَ مَعَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَذَكَرَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي خُطَبَاءِ الْإِسْلَامِ مَعَ مُعَاوِيَةَ وَابْنِهِ وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَابْنِهِ، وَقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أيمن: رأيت على ابن الزبير رداءاً يَمَانِيًّا عَدَنِيًّا يُصَلِّي فِيهِ، وَكَانَ صَيِّتًا إِذَا خطب تجاوبه الجبلان أبو قبيس وزروراء.
وَكَانَ آدَمَ نَحِيفًا لَيْسَ بِالطَّوِيلِ، وَكَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ كَثِيرَ الْعِبَادَةِ مُجْتَهِدًا شَهْمًا فَصِيحًا صَوَّامًا قَوَّامًا شَدِيدَ الْبَأْسِ ذَا أَنَفَةٍ لَهُ نَفْسٌ شَرِيفَةٌ وَهِمَّةٌ عَالِيَةٌ، وَكَانَ خَفِيفَ اللِّحْيَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مِنَ الشَّعْرِ إِلَّا قَلِيلًا.
وَكَانَتْ لَهُ جُمَّةٌ وَكَانَ لَهُ لِحْيَةٌ صفراء.
وقد ذكرنا أنه شهد مع ابن أَبِي سَرْحٍ قِتَالَ الْبَرْبَرِ وَكَانُوا فِي عِشْرِينَ ومائة ألف، والمسلمون عشرون أَلْفًا، فَأَحَاطُوا بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَمَا زَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَحْتَالُ حَتَّى رَكِبَ فِي ثَلَاثِينَ فَارِسًا، وَسَارَ نَحْوَ مَلِكِ الْبَرْبَرِ وَهُوَ مُنْفَرِدٌ وَرَاءَ الْجَيْشِ، وَجَوَارِيهِ يُظَلِّلْنَهُ بِرِيشِ النَّعَامِ، فَسَاقَ حتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ وَالنَّاسُ يظنون أنه ذاهب برسالة إلى الملك، فَلَمَّا فَهِمَهُ الْمَلِكُ وَلَّى مُدْبِرًا فَلَحِقَهُ عَبْدُ الله فقتله واحتز رأسه وجعله في رأس رمح وَكَبَّرَ وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ، وَحَمَلُوا عَلَى الْبَرْبَرِ فَهَزَمُوهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا وَغَنِمُوا أموالاً وغنائم كَثِيرَةً جِدًّا، وَبَعْثَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ بِالْبِشَارَةِ مع ابن الزُّبَيْرِ فَقَصَّ عَلَى عُثْمَانَ الْخَبَرَ وَكَيْفَ جَرَى، فقال له عثمان: إن استطعت
أَنَّ تُؤَدِّيَ هَذَا لِلنَّاسِ فَوْقَ الْمِنْبَرِ، قَالَ: نَعَمْ! فَصَعِدَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَوْقَ الْمِنْبَرِ فَخَطَبَ النَّاسَ وَذَكَرَ لَهُمْ كَيْفِيَّةَ مَا جَرَى، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَبِي الزُّبَيْرُ فِي جُمْلَةِ مِنْ حَضَرَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ كَادَ أَنْ يُرْتَجَ عَلَيَّ فِي الْكَلَامِ مِنْ هَيْبَتِهِ في قلبي، فرمزني بعينه وأشار إليّ ليحضني، فَمَضَيْتُ فِي الْخُطْبَةِ كَمَا كُنْتُ، فَلَمَّا نَزَلْتُ قَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنِي أَسْمَعُ خُطْبَةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حِينَ سَمِعْتُ خُطْبَتَكَ يَا بُنَيَّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ الدارني يَقُولُ: خَرَجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ على