للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سار من طريق أخرى حتى واجه الكوفة وهو يريد أن يحاصرها، فخرج الجيش بكماله إلى السبخة لقتاله (١)، وبلغه ذلك فلم يبال بهم بل انزعج الناس له وخاف منه وفرقوا منه، وهم الجيش أن يدخل الكوفة خوفا منه ويتحصنوا بها منه، حتى قيل لهم إن سويد بن عبد الرحمن في آثارهم (٢) وقد اقترب منهم، وشبيب نازل بالمدائن بالدير ليس عنده حبر منهم ولا خوف، وقد أمر بطعام وشواء أن يصنع له فقيل له: قد جاءك الجند فأدرك نفسك، فجعل لا يلتفت إلى ذلك ولا يكترث بهم ويقول للدهقان الذي يصنع له الطعام: أجده وأنضجه وعجل به، فلما استوى أكله ثم توضأ وضوءا تاما ثم صلى بأصحابه صلاة تامة بتطويل وطمأنينة، ثم لبس درعه وتقلد سيفين وأخذ عمود حديد ثم قال: أسرجوا لي البغلة، فركبها فقال له أخوه مصاد: اركب فرسا، فقال: لا! حارس كل أمر أجله، فركبها ثم فتح باب الدير الذي هو فيه وهو يقول: أنا أبو المدله لا حكم إلا لله، وتقدم إلى أمير الجيش الذي يليه بالعمود الحديد فقتله، وهو سعيد بن المجالد، وحمل على الجيش الآخر الكثيف فصرع أميره وهرب الناس من بين يديه ولجأوا إلى الكوفة، ومضى شبيب إلى الكوفة من أسفل الفرات، وقتل جماعة هناك، وخرج الحجاج من الكوفة هاربا إلى البصرة، واستخلف على الكوفة عروة بن المغيرة بن شعبة، ثم اقترب شبيب من الكوفة يريد دخولها، فأعلم الدهاقين عروة بن المغيرة بذلك فكتب إلى الحجاج يعلمه بذلك فأسرع الحجاج الخروج من البصرة وقصد الكوفة فأسرع السير، وبادره شبيب إلى الكوفة فسبقه الحجاج إليها فدخلها العصر، ووصل شبيب إلى المربد عند الغروب، فلما كان آخر الليل دخل شبيب الكوفة وقصد قصر الامارة فضرب بابه بعموده الحديد فأثرت ضربته في الباب، فكانت تعرف بعد ذلك، يقال هذه ضربة شبيب، وسلك في طرق المدينة وتقصد محال القتال، وقتل رجالا من رؤساء أهل الكوفة وأشرافهم، منهم أبو سليم والد ليث بن أبي سليم، وعدي بن عمرو، وأزهر بن عبد الله العامري، في طائفة كثيرة من أهل الكوفة، وكان مع شبيب امرأته غزالة (٣)، وكانت معروفة بالشجاعة، فدخلت مسجد الكوفة وجلست على منبره وجعلت تذم بني مروان.

ونادى الحجاج في الناس: يا خيل الله اركبي، فخرج شبيب من الكوفة إلى مجال الطعن والضرب، فجهز الحجاج في أثره ستة آلاف مقاتل، فساروا وراءه وهو بين أيديهم ينعس ويهز رأسه، وفي أوقات كثيرة يكر عليهم فيقتل منهم جماعة، حتى قتل من جيش الحجاج خلقا كثيرا،


(١) في ابن الأعثم ٧/ ٨٦ خرج الحجاج من الكوفة في عسكر لجب حتى نزل بموضع يقال له السبخة. وبلغ ذلك شبيبا فسار إليه في جيشه ذلك ولم يشعر الحجاج إلا وخيل شبيب قد وافته.
(٢) كان الحجاج قد بعث سويد بن عبد الرحمن السعدي في ألفي رجل (الطبري - ابن الأثير).
(٣) في الفتوح ٧/ ٨٧ ثم ركب شبيب وركب معه أصحابه وأقبل نحو الكوفة ومعه أمه ومعه امرأته: غزالة من سبي أصفهان، فأقبلت ومعها خمسون امرأة من نساء الخوارج.

<<  <  ج: ص:  >  >>