للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْلَى أَسْمَاءَ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ خَرَجَتْ إِلَيْهِ أُمُّهُ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ عَلَى دَابَّةٍ، فَأَقْبَلَ الْحَجَّاجُ فِي أَصْحَابِهِ فَسَأَلَ عَنْهَا فَأُخْبِرَ بِهَا، فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهَا فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِ نَصَرَ اللَّهُ الْحَقَّ وَأَظْهَرَهُ؟ فقالت: ربما أديل الباطل على الحق وأهله، وإنك بين فرثها والجنة، فَقَالَ إِنَّ ابْنَكِ أَلْحَدَ فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: * (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) * [الحج: ٢٥] وقد أذقه الله ذلك العذاب الأليم، قالت: كذبت، كان أول مولود ولد فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَدِينَةِ، وَسُرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَنَّكَهُ بِيَدِهِ وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ حَتَّى ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ فَرَحًا بِهِ، وَقَدْ فَرِحْتَ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ بِمَقْتَلِهِ، فَمَنْ كَانَ فرح يومئذ بمولده خَيْرٌ مِنْكَ وَمِنْ أَصْحَابِكَ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ بَرًّا بِالْوَالِدَيْنِ صَوَّامًا قَوَّامًا بِكِتَابِ اللَّهِ، مُعَظِّمًا لحرم الله، يبغض من يُعْصَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " يخرج من ثقيف كذَّاب ومبير " وفي رواية: " سَيَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ كَذَّابَانِ الْآخِرُ مِنْهُمَا شَرٌّ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُبِيرٌ " فَانْكَسَرَ الْحَجَّاجُ وَانْصَرَفَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الْمَلِكِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَلُومُهُ في مخاطبته أسماء، وقال: مالك وَلِابْنَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ؟ وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي صَحِيحِهِ: ثَنَا عَقَبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، أنبأنا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ.

قَالَ: رأيت عبد الله بن الزبير على ثنية الحجون مصلوباً فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ مَا علمتُ صَوَّامًا قَوَّامًا وَصُولًا لِلرَّحِمِ، أَمَا وَاللَّهِ لَأُمَّةٌ أَنْتَ شَرُّهَا لأمة خير، ثم بعد عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.

فَبَلَغَ الْحَجَّاجُ وُقُوفُ ابن عمر عليه وقوله ما قال، فأرسل إليه فأنزله عَنْ جِذْعِهِ وَأُلْقِيَ فِي قُبُورِ الْيَهُودِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُمِّهِ أَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيَهُ فَأَعَادَ عَلَيْهَا الرَّسُولَ لِتَأْتِيَنِّي أو لأبعثن إليك من يسحبك من

قرونك، فَأَبَتْ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَا آتِيهِ حَتَّى يَبْعَثَ إليّ من يسحبني بقروني، فقال الحجاج: أروني سبتيتي فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ حَتَّى دَخَلَ عليها فقال: كيف رأيتني صنعت بعد والله؟ قالت رأيتك فسدت عليه دنياه، وأفسدت عليك آخرتك، بلغني أنَّك تقول: يا بن ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، أَنَا وَاللَّهِ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَعَامَ أَبِي بَكْرٍ، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ، أَمَا إنَّ رَسُولَ اللَّهِ حدَّثنا أنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ، وأمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكُ إِلَّا إيَّاه.

قَالَ: فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا " انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ.

وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الْحَجَّاجَ لَمَّا صَلَبَ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى ثَنِيَّةِ الْحَجُونَ بَعَثَتْ إِلَيْهِ أَسْمَاءُ تَدْعُو عَلَيْهِ، وَطَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُدْفَنَ فَأَبَى عَلَيْهَا، حَتَّى كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فِي ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُدْفَنَ فَدُفِنَ بِالْحَجُونِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يُشْتَمُّ مِنْ عِنْدِ قَبْرِهِ رِيحُ الْمِسْكِ.

وَكَانَ الْحَجَّاجُ قَدْ قَدِمَ مِنَ الشَّامِ فِي أَلْفَيْ فَارِسٍ وَانْضَافَ إِلَيْهِ طَارِقُ بْنُ عَمْرٍو فِي خَمْسَةِ آلَافٍ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ بِسَنَدِهِ أَنَّ الْحَجَّاجَ حَاصَرَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَهُ أربعون

<<  <  ج: ص:  >  >>