للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ ذَكَرْنَا صِفَةَ مَقْتَلِهِ إِيَّاهُ، وَقَدْ رُوِيَتْ آثَارٌ غَرِيبَةٌ فِي صِفَةِ مَقْتَلِهِ، أَكْثَرُهَا لَا يَصِحُّ، وَقَدْ عُوقِبَ الْحَجَّاجُ بَعْدَهُ وَعُوجِلَ بِالْعُقُوبَةِ، فَلَمْ يَلْبَثْ بَعْدَهُ إِلَّا قَلِيلًا ثُمَّ أَخَذَهُ اللَّهُ أَخَذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، كَمَا

سَنَذْكُرُ وَفَاتَهُ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ، فَقِيلَ إِنَّهُ مَكَثَ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقِيلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَقِيلَ ستة أشهر والله أَعْلَمُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي عُمْرِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رحمه الله حين قتل، فقيل تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ سَبْعًا وَخَمْسِينَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالَكَائِيُّ: كَانَ مَقْتَلُهُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ، وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ مَقْتَلَهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ - سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ - فالله أعلم.

قلت: ها هنا كلمات حسان من كلام سعيد بن جبير أحببت أن أذكرها.

قال: إن أفضل الخشية أن تخشى الله خشية تحول بينك وبين معصيته، وتحملك على طاعته، فتلك هي الخشية النافعة.

والذكر طاعة الله، فمن أطاع الله فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكر له، وإن كثر منه التسبيح وتلاوة القرآن.

قيل له: من أعبد الناس؟ قال: رجل اقترف (١) من الذنوب، فكلما ذكر ذنبه احتقر عمله، وقال له الحجاج: ويلك؟ فقال: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار، فقال: اضربوا عنقه، فقال: إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله، أستحفظك بها حتى ألقاك يوم القيامة فأنا خصمك عند الله، فذبح من قفاه، فبلغ ذلك الحسن فقال: اللهم يا قاصم الجبابرة اقصم الحجاج، فما بقي إلا ثلاثة حتى وقع من جوفه دود فأنتن منه فمات.

وقال سعيد للحجاج لما أمر بقتله وضحك فقال له: ما أضحكك؟ فقال: أضحك من غيراتك عليَّ (٢) وحلم الله عنك.

سعيد بن المسيب ابن حَزْنِ بْنِ أَبِي وَهْبِ (٣) بْنِ عَائِذِ بْنِ عمران بن مخزوم القرشي أبو محمد المدنف، سَيِّدُ التَّابِعِينَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ مَضَتَا وَقِيلَ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقِيلَ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْهَا، وَقَوْلُ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْعَشَرَةَ وَهْمٌ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَكِنْ أَرْسَلَ عَنْهُمْ كَمَا أَرْسَلَ كَثِيرًا عَنِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَى عَنْ عُمَرَ كَثِيرًا، فَقِيلَ سَمِعَ مِنْهُ، وعن عثمان وعلي وسعيد وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَانَ زَوْجَ ابْنَتِهِ، وَأَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيثِهِ، وَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَحَدَّثَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَخَلْقٍ مِمَّنْ سِوَاهُمْ، قال ابن عمر: كان سعيد أحد المتقنين، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: جَالَسْتُهُ

سَبْعَ حِجَجٍ وَأَنَا لَا أَظُنُّ عِنْدَ أَحَدٍ عِلْمًا غَيْرَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بن إسحاق: عن مكحول قال: طفت


(١) في صفة الصفوة ٣ / ٧٩: اجترح.
(٢) في ابن الاعثم ٧ / ١٦٣: عجبت من جرأتك على الله.
وانظر أيضا صفة الصفوة ٣ / ٨٢.
(٣) في طبقات ابن سعد ٥ / ١١٩، ووفيات الاعيان ٢ / ٣٧٥: وهب بن عمرو بن عائذ ... (*)

<<  <  ج: ص:  >  >>