للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَرْضَ كُلَّهَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ.

فَمَا لَقِيتُ أَعْلَمَ مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: سُئِلَ الزُّهْرِيُّ وَمَكْحُولٌ مَنْ أَفْقَهُ مَنْ لَقِيتُمَا؟ قالا: سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ يُقَالُ لَهُ فَقِيهُ الْفُقَهَاءِ.

وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: كُنْتُ أَرْحَلُ الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ، قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُرْسِلُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَسْأَلُهُ عَنْ قَضَايَا عُمَرَ وَأَحْكَامِهِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِرْسَالُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هِيَ صِحَاحٌ: قَالَ: وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَفْضَلُ التَّابِعِينَ.

قال عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: لَا أَعْلَمُ فِي التَّابِعِينَ أَوْسَعَ عِلْمًا مِنْهُ، وَإِذَا قَالَ سَعِيدٌ مَضَتِ السُّنَّةُ فَحَسْبُكَ بِهِ، وَهُوَ عِنْدِي أَجْلُّ التَّابِعِينَ.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ: كَانَ سَعِيدُ رَجُلًا صَالِحًا فَقِيهًا، كَانَ لَا يَأْخُذُ الْعَطَاءَ، وَكَانَتْ لَهُ بِضَاعَةٌ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانَ يَتَّجِرُ فِي الزَّيْتِ، وَكَانَ أَعْوَرَ.

وَقَالَ أَبُو زرعة: كان مدنياً ثقةً إماماً.

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ فِي التَّابِعِينَ أَنْبَلُ مِنْهُ، وَهُوَ أَثْبَتُهُمْ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ الْفُقَهَاءِ، وَهِيَ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ، عَنْ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، رَحِمَهُ الله.

وكان سعيد بن المسيب من أورع الناس فيما يدخل بيته وبطنه، وكان من أزهد النَّاس في فضول الدنيا، والكلام فيما لا يعني، ومن أكثر الناس أدباً في الحديث، جاءه رجل وهو مريض فسأله عن حديث فجلس فحدثه ثم اضطجع، فقال الرجل: وددت أنك لم تتعن، فقال: إني كرهت أن أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا مضطجع، وقال برد مولاه: ما نودي للصلاة منذ أربعين إلا وسعيد في المسجد.

وقال ابن إدريس: صلى سعيد بن المسيب الغداة بوضوء العتمة خمسين سنة.

وقال سعيد: لا تملؤا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بالإنكار من قلوبكم، لكيلا تحبط أعمالكم

الصالحة.

وقال: ما يئس الشيطان من شئ إلا أتاه من قبل النساء.

وقال: ما أكرمت العباد أنفسها بمثل طاعة الله، ولا أهانت أنفسها إلا بمعصية الله تعالى.

وقال: كفى بالمرء نصرة من الله له أن يرى عدوه يعمل بمعصية الله.

وقال: من استغنى بالله افتقر الناس إليه.

وقال: الدنيا نذلة وهي إلى كل نذل أميل، وأنذل منها من أخذها من غير وجهها ووضعها في غير سبيلها.

وقال: إنه ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من النَّاس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه.

وقال: من كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله (١) : وقد زوج سعيد بن المسيب ابنته على درهمين لكثير (٢) بن أبي وداعة - وكانت من أحسن النساء وأكثرهم أدباً وأعلمهم بكتاب اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وأعرفهم بحق الزوج - وكان فقيراً، فأرسل إليه بخمسة آلاف، وقيل: بعشرين ألفا، وقال: استنفق هذه.

وقصته في ذلك مشهورة،


(١) انظر صفوة الصفوة ٢ / ٨٠ - ٨١.
(٢) في وفيات الاعيان ٢ / ٣٧٦: زوجها من أبي وداعة، وفي طبقات ابن سعد ٥ / ١٣٨: زوجها من ابن أخيه، وفي رواية أخرى عنده: من شاب من قريش.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>