للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيْحَكَ يَا حَجَّاجُ مَا أَصْفَقَ وَجْهَكَ وَأَقَلَّ حَيَاءَكَ، تَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ وَتَقُولُ مِثْلَ هَذَا الكلام؟ خبث وَضَلَّ سَعْيُكَ، فَقَالَ لِلْحَرَسِ خُذُوهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ قَالَ لَهُ: مَا الَّذِي جَرَّأَكَ عليَّ؟ فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا حَجَّاجُ، أَنْتَ تَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ وَلَا أَجْتَرِئُ أَنَا عَلَيْكَ، وَمَنْ أَنْتَ حَتَّى لَا أَجْتَرِئَ عَلَيْكَ وَأَنْتَ تَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ: خَلُّوا سَبِيلَهُ، فَأُطْلِقَ.

وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: أُتِيَ الْحَجَّاجُ بِأَسِيرَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الْأَشْعَثِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إِنَّ لِي عِنْدَكَ يَدًا، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: ذَكَرَ ابْنُ الْأَشْعَثِ يَوْمًا أُمَّكَ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَمَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ قَالَ: صَاحِبِي هَذَا! فَسَأَلَهُ فَقَالَ: نَعَمْ! فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ؟ قَالَ: بُغْضُكَ، قَالَ أطلقوا هذا لصدقة، وهذا لفعله.

فأطلقوهما.

وذكر محمد بن زياد

عن ابن الْأَعْرَابِيِّ فِيمَا بَلَغَهُ أَنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ جَحْدَرُ بْنُ مَالِكٍ وَكَانَ فَاتِكًا بِأَرْضِ الْيَمَامَةِ، فَأَرْسَلَ الْحَجَّاجُ إِلَى نَائِبِهَا يُؤَنِّبُهُ وَيَلُومُهُ عَلَى عَدَمِ أَخْذِهِ، فَمَا زَالَ نَائِبُهَا فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَسَرَهُ وَبَعَثَ بِهِ إِلَى الْحَجَّاجِ، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا كُنْتَ تَصْنَعُهُ؟ فَقَالَ: جَرَاءَةُ الْجَنَانِ، وَجَفَاءُ السُّلْطَانِ، وَكَلْبُ الزَّمَانِ، وَلَوِ اخْتَبَرَنِي الأمير لوجدني من صالح الأعوان، وشهم الفرسان، ولوجدني من أصلح رعيته، ذلك أَنِّي مَا لَقِيتُ فَارِسًا قَطُّ إِلَّا كُنْتُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِي مُقْتَدِرًا، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: إِنَّا قَاذِفُوكَ فِي حَائِرٍ فِيهِ أَسَدٌ عَاقِرٌ فإن قتلك كفافا مُؤْنَتَكَ، وَإِنْ قَتَلْتَهُ خَلَّيْنَا سَبِيلَكَ.

ثُمَّ أَوْدَعَهُ السِّجْنَ مُقَيَّدًا مَغْلُولَةً يَدُهُ الْيُمْنَى إِلَى عُنُقِهِ، وَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى نَائِبِهِ بِكَسْكَرَ أَنْ يَبْعَثَ بِأَسَدٍ عَظِيمٍ ضَارٍ، وَقَدْ قَالَ جَحْدَرٌ هَذَا فِي مَحْبَسِهِ هَذَا أَشْعَارًا يَتَحَزَّنُ فِيهَا عَلَى امرأته سليمى أم عمرو ويقول فِي بَعْضِهَا: أَلَيْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أُمَّ عَمْرٍو * وإيانا فذاك بنا تداني بلى وترى الهلال كما نراه * وَيَعْلُوهَا النَّهَارُ إِذَا عَلَانِي إِذَا جَاوَزْتُمَا نَخَلَاتِ نجد * وأودية اليمامة فانعياني وقولا حجدر أَمْسَى رَهِينًا * يُحَاذِرُ وَقْعَ مصقولٍ يَمَانِي فَلَمَّا قَدِمَ الْأَسَدُ عَلَى الْحَجَّاجِ أَمَرَ بِهِ فَجُوِّعَ ثَلَاثَةَ أيَّام، ثمَّ أُبْرِزَ إِلَى حَائِرٍ - وَهُوَ الْبُسْتَانُ - وَأَمَرَ بِجَحْدَرٍ فَأُخْرِجَ فِي قُيُودِهِ وَيَدُهُ الْيُمْنَى مَغْلُولَةٌ بِحَالِهَا، وَأُعْطِيَ سَيْفًا فِي يَدِهِ الْيُسْرَى وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَسَدِ وَجَلَسَ الْحَجَّاجُ وَأَصْحَابُهُ فِي مَنْظَرَةٍ، وَأَقْبَلَ جَحْدَرٌ نَحْوَ الْأَسَدِ وَهُوَ يَقُولُ: ليثٌ وليثٌ فِي مَجَالِ ضَنْكِ * كِلَاهُمَا ذُو أنفٍ وَمَحْكِ وَشِدَّةٍ فِي نَفْسِهِ وَفَتْكِ * إِنْ يَكْشِفِ اللَّهُ قِنَاعَ الشَّكِّ * فَهْوَ أَحَقُّ مَنْزِلٍ بِتَرْكِ * فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ الْأَسَدُ زَأَرَ زَأْرَةً شَدِيدَةً وَتَمَطَّى وَأَقْبَلَ نَحْوَهُ فَلَمَّا صَارَ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ رُمْحٍ وَثَبَ الْأَسَدُ عَلَى جَحْدَرٍ وَثْبَةً شَدِيدَةً فَتَلَقَّاهُ جَحْدَرٌ بِالسَّيْفِ فضربه ضربة خَالَطَ ذُبَابُ السَّيْفِ لَهَوَاتِهِ، فَخَرَّ الْأَسَدُ كَأَنَّهُ خَيْمَةٌ قَدْ صَرَعَتْهَا الرِّيحُ، مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبَةِ، وَسَقَطَ جَحْدَرٌ مِنْ شِدَّةِ وَثْبَةِ الْأَسَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>