للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحجاج فمَهْ؟ ! فهل يَرْجُو الْحَجَّاجُ الْخَيْرَ إِلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ؟ وَاللَّهُ مَا يَسُرُّنِي أَنْ لَا أَمُوتَ وَأَنَّ لِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَمَا رَأَيْتُ اللَّهَ رَضِيَ التَّخْلِيدَ إِلَّا لِأَهْوَنِ (١) خَلْقِهِ عَلَيْهِ إِبْلِيسَ، قَالَ اللَّهُ لَهُ (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) [الأعراف: ١٤] فَأَنْظَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَلَقَدْ دَعَا اللَّهُ الْعَبْدَ الصالح فقال (هب لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) [ص: ٣٥] فأعطاه اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا البقاء (٢) ، ولقد طلب العبد الصالح الموت بعد أن تم له أمره، فقال (تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بالصالحين) [يوسف: ١٠١] فَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ أَيُّهَا الرَّجُلُ، وَكُلُّكُمْ ذَلِكَ الرَّجُلُ، كَأَنِّي وَاللَّهِ بِكُلِّ حَيٍّ مِنْكُمْ مَيِّتًا، وَبِكُلِّ رَطْبٍ يَابِسًا، ثُمَّ نُقِلَ فِي أثياب أكفانه ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ (٣) طُولًا فِي ذِرَاعٍ عَرْضًا، فَأَكَلَتِ لحمه، ومصت صديده، وانصرف الخبيث من ولده يقسم الخبيث من ماله، إن الذين يَعْقِلُونَ مَا أَقُولُ، ثمَّ نَزَلَ.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ: مَا حَسَدْتُ الْحَجَّاجَ عَدُوَّ اللَّهِ عليَّ شئ حَسَدِي إِيَّاهُ عَلَى حُبِّهِ الْقُرْآنَ وَإِعْطَائِهِ أَهْلَهُ عليه، وَقَوْلِهِ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: اللَّهم اغْفِرْ لِي فَإِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لَا تَفْعَلُ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا

عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، حدَّثنا عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ.

قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُبْغِضُ الْحَجَّاجَ فَنَفَسَ عَلَيْهِ بِكَلِمَةٍ قَالَهَا عند الموت: اللَّهم اغفر لي فإنهم يزعمون أَنَّكَ لَا تَفْعَلُ.

قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ قِيلَ لِلْحَسَنِ: إِنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ عند الموت كذا وكذا، قال: قالها؟ قالوا: نعم! قال فما عسى.

وقال أبو العباس المري عَنِ الرِّيَاشِيِّ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتِ الْحَجَّاجَ الْوَفَاةُ أَنْشَأَ يَقُولُ: يَا رَبِّ قَدْ حَلَفَ الْأَعْدَاءُ وَاجْتَهَدُوا * بِأَنَّنِي رَجُلٌ مِنْ سَاكِنِي النار أيحلفون عن عَمْيَاءَ وَيْحَهُمُ * مَا عِلْمُهُمْ بِعَظِيمِ الْعَفْوِ غَفَّارِ قال فأخبر بذلك الحسن فقال: بالله إن نجا لينجون بهما.

وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ: - إِنَّ الْمَوَالِيَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدُهُمْ * فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارِ وَأَنْتَ يَا خَالِقِي أَوْلَى بِذَا كَرَمًا * قَدْ شِبْتُ فِي الرِّقِّ فَاعْتِقْنِي مِنَ النَّار وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ قَالَ: لَمَّا مَاتَ الْحَجَّاجُ لَمْ يعلم أحد بِمَوْتِهِ حَتَّى أَشْرَفَتْ جَارِيَةٌ فَبَكَتْ فَقَالَتْ: أَلَا إن مطعم الطعام، وميتم الأيتام، ومرمل النساء، وَمُفَلِّقَ الْهَامِ، وَسَيِّدَ أَهْلِ الشَّامِ قَدْ مَاتَ، ثم أنشأت تقول: -


(١) في العقد ٣ / ١٧: لابغض خلقه إليه وأهونهم عليه.
(٢) في العقد ومروج الذهب: ثم اضمحل فكأن لم يكن.
(٣) في مروج الذهب: فخد له في الأرض أذرع طولاً في ذراعين عرضا.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>