فلم يبلغوا أعلى سورها، فأمر فعمل سلالم فصعدوا عليها، وقيل إنه أمر رجلاً فصعد على سورها، فلما رأي ما في داخلها لم يملك نفسه أن ألفاها في داخلها فكان آخر العهد به، ثم آخر فكذلك، ثم امتنع الناس من الصعود إليها، فلم يحط أحد منهم بما في داخلها علماً، ثم ساروا عنها فقطعوها إلى بحيرة قريبة منها، فقيل: إن تلك الجرار المذكورة وجدها فيها، ووجد عليها رجلاً قائماً، فقال له: ما أنت؟ قال: رجل من الجن وأبي محبوس في هذه البحيرة حبسه سليمان، فأنا أجئ إليه في كل سنة مرة أزوره.
فقال له: هل رأيت أحداً خارجاً من هذه المدينة أو داخلاً إليها؟ قال: لا، إلا أن رجلاً يأتي في كل سنة إلى هذه البحيرة يتعبد عليها أياماً ثم يذهب فلا يعود إلى مثلها، والله أعلم ما هو، ثم رجع إلى إفريقية، والله أعلم بصحة ذلك، والعهدة على من ذكر ذلك أولاً.
وَقَدِ اسْتَسْقَى مُوسَى بْنُ نُصَيْرٍ بِالنَّاسِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ حِينَ أَقْحَطُوا بِإِفْرِيقِيَّةَ، فَأَمَرَهُمْ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ الِاسْتِسْقَاءِ، ثُمَّ خَرَجَ بَيْنَ النَّاسِ وَمَيَّزَ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وفرق بين البهائم وأولادها، ثم أمر بارتفاع الضَّجِيجِ وَالْبُكَاءِ، وَهُوَ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ نَزَلَ فَقِيلَ لَهُ: أَلَا دَعَوْتَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: هَذَا مَوْطِنٌ لَا يذكر فيه إلا الله عزوجل، فسقاهم عزوجل لَمَّا قَالَ ذَلِكَ.