للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى ابن أبي الدنيا عنه في ذم الغيبة له قال: والله للغيبة أسرع في دين المؤمن من الأكلة في جسده.

وكان يقول.

ابن آدم إنك لن تصيب حقيقة الإيمان حتى لا تصيب (١) الناس بعيب هو فيك، وحتى تبدأ بصلاح ذلك العيب فتصلحه من نفسك، فإذا فعلت ذلك كان ذلك شغلك في طاعة نفسك، وأحب العباد إلى الله من كان هكذا.

وقال الحسن: ليس بينك وبين الفاسق حرمة.

وقال: ليس لمبتدع غيبة.

وقال أصلت بن طريف: قلت للحسن: الرجل الفاجر المعلن بفجوره، ذكرى له بما فيه غيبة؟ قال: لا ولا كرامة.

وقال: إذا ظهر فجوره فلا غيبة له.

وقال: ثلاثة لا تحرم عليك غيبتهم: المجاهر بالفسق، والإمام الجائر، والمبتدع.

وقال له رجل: إن قوماً يجالسونك ليجدوا بذلك إلى الوقيعة فيك سبيلاً، فقال: هون عليك يا هذا فإني أطمعت نفسي في الجنان فطمعت، وأطمعتها في النجاة من النار فطمعت، وأطمعتها في السلامة من الناس فلم أجد

إلى ذلك سبيلاً، فإن الناس لم يرضوا عن خالقهم ورازقهم فكيف يرضون عن مخلوق مثلهم؟ وقال: كانوا يقولون: من رمى أخاه بذنب قد تاب منه لم يمت حتى يصيب ذلك الذنب.

وقال الحسن: قال لقمان لابنه: يا بني إياك والكذب فإنه شهي كلحم العصفور عما قليل يقلاه صاحبه.

وقال الحسن: اعتبروا الناس بأعمالهم ودعوا أقوالهم فإن الله عزوجل لم يدع قولاً إلا جعل عليه دليلاً من عمل يصدقه أو يكذبه، فإن سمعت قولاً حسناً فرويداً بصاحبه، فإن وافق قول عملاً فنعم ونعمت عين أخته وأخيه، وإذا خالف قول عملاً فماذا يشبه عليك منه، أم ماذا يخفي عليك منه؟ وإياك وإياه لا يخدعنك كما خدع ابن آدم، إن لك قولاً وعملاً، فعملك أحق بك من قولك، وإن لك سريرة وعلانية، فسريرتك أحق بك من علانيتك، وإن لك عاجلة وعاقبة، فعاقبتك أحق بك من عاجلتك.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ العبَّاس، أنبا عبدان بن عثمان، أنبا معمر، عن يحيى بن المختار، عن الحسن قال: إذا شبت لقيت الرجل أبيض حديد اللسان، حديد النظر، ميت القلب والعمل، أنت أبصر به من نفسه، ترى أبداناً ولا قلوباً، وتسمع الصوت ولا أنيس، أخصب ألسنة وأجدب قلوباً، يأكل أحدهم من غير ماله ويبكي على عماله، فإذا كهضته البطنة قال: يا جارية أو يا غلام ايتني بهاضم، وهل هضمت يا مسكين إلا دينك؟ وقال: من رق ثوبه رق دينه، ومن سمن جسده هزل دينه، ومن طاب طعامه أنتن كسبه.

وقال فيما رواه عنه الآجري: رأس مال المؤمن دين حيث ما زال زال معه، لا يخلفه في الرحال، ولا يأتمن عليه الرجال.

وقال في قوله تعالى: (فلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) [القيامة: ٢] قال: لا تلقى المؤمن إلا يلوم نفسه، ما أردت بكلمة كذا، ما أردت بأكلة كذا، ما أردت بمجلس كذا، وأما الفاجر فيمضي قدماً قدماً لا يلوم نفسه.

وقال: تصبروا وتشددوا فإنما هي ليال تعد، وإنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى


(١) في صفة الصفوة ٣ / ٢٣٤: لا تعيب.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>