هؤلاء الامراء، فرأينا أن لا نمنعه أحدا من المسلمين. وقال أبو إسحاق: كان الزهري يرجع من عند عروة فيقول لجارية عنده فيها لكنة: ثنا عروة ثنا فلان، ويسرد عليها ما سمعه منه، فتقول له الجارية: والله ما أدري ما تقول، فيقول لها: اسكتي لكاع، فإني لا أريدك، إنما أريد نفسي. ثم وفد على عبد الملك بدمشق كما تقدم فأكرمه وقضى دينه وفرض له في بيت المال، ثم كان بعد من أصحابه وجلسائه، ثم كان كذلك عند أولاده من بعده، الوليد وسليمان، وكذا عند عمر بن عبد العزيز، وعند يزيد بن عبد الملك، واستقضاه يزيد مع سليمان بن حبيب، ثم كان حظيا عند هشام، وحج معه وجعله معلم أولاده إلى أن توفي في هذه السنة، قبل هشام بسنة. وقال ابن وهب: سمعت الليث يقول: قال ابن شهاب: ما استودعت قلبي شيئا قط فنسيته، قال: وكان يكره أكل التفاح وسؤر الفأرة، ويقول: إنه ينسي، وكان يشرب العسل ويقول إنه يذكي، وفيه يقول فايد بن أقرم.
زرذا وأثن على الكريم محمد … واذكر فواضله على الأصحاب
وإذا يقال من الجواد بماله … قيل الجواد محمد بن شهاب
أهل المدائن يعرفون مكانه … وربيع ناديه على الاعراب
يشري وفاء جفانه ويمدها … بكسور انتاج وفتق لباب
وقال ابن مهدي: سمعت مالكا يقول: حدث الزهري يوما بحديث فلما قام أخذت بلجام دابته فاستفهمته فقال: أتستفهمني؟ ما استفهمت عالما قط، ولا رددت على عالم قط، ثم جعل ابن مهدي يقول فتلك الطوال وتلك المغازي.
وروى يعقوب بن سفيان: عن هشام بن خالد السلامي عن الوليد بن مسلم، عن سعيد - يعني ابن عبد العزيز - أن هشام بن عبد الملك سأل الزهري أن يكتب لبنيه شيئا من حديثه، فأملى على كاتبه أربعمائة حديث ثم خرج على أهل الحديث فحدثهم بها، ثم إن هشاما قال للزهري: إن ذلك الكتاب ضاع، فقال: لا عليك، فأملى عليهم تلك الأحاديث فأخرج هشام الكتاب الأول فإذا هو لم يغادر حرفا واحدا، وإنما أراد هشام امتحان حفظه. وقال عمر بن عبد العزيز: ما رأيت أحدا أحسن سوقا للحديث إذا حدث من الزهري. وقال سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا أنص للحديث من الزهري، ولا أهون من الدينار والدرهم عنده، وما الدراهم والدنانير عند الزهري إلا بمنزلة البعر. قال عمرو بن دينار: ولقد جالست جابرا وابن عباس وابن عمر وابن الزبير فما رأيت أحدا أسيق للحديث من الزهري.
وقال الإمام أحمد: أحسن الناس حديثا وأجودهم إسنادا الزهري، وقال النسائي: أحسن الأسانيد الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي عن رسول الله ﷺ. وقال سعيد عن