للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أهل الحجاز في أواخر دولة مروان الحمار بالخلافة وخلع مروان، وكان في جملة من بايعه على ذلك أبو جعفر المنصور، وذلك قبل تحويل الدولة إلى بني العباس، فلما صارت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور خاف محمد بن عبد الله بن الحسن وأخوه إبراهيم منه خوفا شديدا.

وذلك لان المنصور توهم منهما أنهما لا بد أن يخرجا عليه كما أرادا أن يخرجا على مروان، والذي توهم منه المنصور وقع فيه، فذهبا هربا في البلاد الشاسعة فصارا إلى اليمن، ثم سارا إلى الهند فاختفيا بها، فدل على مكانهما الحسن بن زيد فهربا إلى موضع آخر، فاستدل عليه الحسن بن زيد ودل عليهما، ثم كذلك. وانتصب إلبا عليهما عند المنصور. والعجب منه أنه من أتباعهما. واجتهد المنصور بكل طريق على تحصيلهما فلم يتفق له ذلك، وإلى الآن. فلما سأل أباهما عنهما حلف أنه لا يدري أين صارا من أرض الله، ثم ألح المنصور على عبد الله في طلب ولديه فغضب عبد الله من ذلك وقال: والله لو كانا تحت قدمي ما دللتك عليهما. فغضب المنصور وأمر بسجنه وأمر ببيع رقيقه وأمواله، فلبث في السجن ثلاث سنين، وأشاروا على المنصور بحبس بني حسن عن آخرهم فحبسهم، وجد في طلب إبراهيم ومحمد جدا، هذا وهما يحضران الحج في غالب السنين ويكمنان في المدينة في غالب الأوقات، ولا يشعر بهما من ينم عليهما ولله الحمد. والمنصور يعزل نائبا عن المدينة ويولي عليها غيره ويحرضه على إمساكهما والفحص عنهما، وبذل الأموال في طلبهما، وتعجزه المقادير عنهما لما يريده الله ﷿.

وقد واطأهما على أمرهما أمير من أمراء المنصور يقال له أبو العساكر خالد بن حسان، فعزموا في بعض الحجات على الفتك بالمنصور بين الصفا والمروة، فنهاهم عبد الله بن حسن لشرف البقعة. وقد اطلع المنصور على ذلك وعلم بما مالأهما ذلك الأمير، فعذبه حتى أقر بما كانوا تمالؤا عليه من الفتك به. فقال: وما الذي صرفكم عن ذلك؟ فقال: عبد الله بن حسن نهانا عن ذلك، فأمر به الخليفة فغيب في الأرض فلم يظهر حتى الآن (١). وقد استشار المنصور من يعلم من أمرائه ووزرائه من ذوي الرأي في أمر ابني عبد الله بن حسن، وبعث الجواسيس والقصاد في البلاد فلم يقع لهما على خبر، ولا ظهر لهما على عين ولا أثر، والله غالب على أمره. وقد جاء محمد بن عبد الله بن حسن إلى أمه فقال يا أمه! إني قد شفقت على أبي وعمومتي، ولقد هممت أن أضع يدي في يد هؤلاء لأريح أهلي. فذهبت أمه إلى السجن فعرضت عليهم ما قال ابنها، فقالوا: لا ولا كرامة، بل نصبر على أمره فلعل الله أن يفتح على يديه خيرا، ونحن نصبر وفرجنا بيد الله إن شاء فرج عنا، وإن شاء ضيق. وتمالؤا كلهم على ذلك .

وفيها نقل آل حسن من حبس المدينة إلى حبس بالعراق وفي أرجلهم القيود، وفي أعناقهم الأغلال. وكان ابتداء تقييدهم من الربذة بأمر أبي جعفر المنصور، وقد أشخص معهم محمد بن عبد


(١) في الطبري ٩/ ١٩١ وابن الأثير ٥/ ٥١٨: لم يظفر به المنصور فإنه لحق بمحمد بن عبد الله بن محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>