للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه، وليس عنده خضره، والعين خضرة تحب الخضرة (١). فلم يرفع بها المنصور رأسا ثم أمر بتغيير ذلك، ثم بعد ذلك ساق إليها الماء وبنى عندها البساتين، وحول الأسواق من ثم إلى الكرخ.

قال يعقوب بن سفيان: كمل بناء بغداد في سنة ست وأربعين ومائة، وفي سنة سبع وخمسين حول الأسواق إلى باب الكرخ وباب الشعير وباب المحول وأمر بتوسعة الأسواق أربعين ألفا، وبعد شهرين من ذلك شرع في بناء قصره المسمى بالخلد، فكمل سنة ثمان وخمسين ومائة.

وجعل أمر ذلك إلى رجل يقال له الوضاح، وبنى للعامة جامعا للصلاة والجمعة لئلا يدخلوا إلى جامع المنصور، فأما دار الخلافة التي كانت ببغداد بعد ذلك فإنها كانت للحسن بن سهل، فانتقلت من بعده إلى بوران زوجة المأمون، فطلبها منها المعتضد - وقيل المعتمد - فأنعمت له بها، ثم استنظرته أياما حتى تنتقل منها فأنظرها، فشرعت في تلك الأيام في ترميمها وتبييضها وتحسينها، ثم فرشتها بأنواع الفرش والبسط، وعلقت فيها أنواع الستور، وأرصدت فيها ما ينبغي للخلافة من الجواري والخدم، وألبستهم أنواع الملابس، وجعلت في الخزائن ما ينبغي من أنواع الأطعمة والمأكل، وجعلت في بعض بيوتها من أنواع الأموال والذخائر، ثم أرسلت بمفاتيحها إليه، ثم دخلها فوجد فيها ما أرصدته بها، فهاله ذلك واستعظمه جدا، وكان أول خليفة سكنها وبنى عليها سورا. ذكره الخطيب.

وأما التاج فبناه المكتفي على دجلة وحوله القباب والمجالس والميدان والثريا وحير الوحوش. وذكر الخطيب صفة دار الشجرة التي كانت في زمن المقتدر بالله، وما فيها من الفرش والستور والخدم والمماليك والحشمة الباهرة، والدنيا الظاهرة، وأنها كان بها إحدى عشر ألف طواشي، وسبعمائة حاجب. وأما المماليك فألوف لا يحصون كثرة، وسيأتي ذكر ذلك مفصلا في أيامهم ودولتهم التي ذهبت كأنها أحلام نوم، بعد سنة ثلاثمائة. وذكر الخطيب دار الملك التي بالمخرم، وذكر الجوامع التي تقام فيها الجمعات، وذكر الأنهار والجسور التي بها، وما كان في ذلك في زمن المنصور، وما أحدث بعده إلى زمانه، وأنشد لبعض الشعراء في جسور بغداد التي على دجلة:

يوم سرقنا العيش فيه خلسة … في مجلس بفناء دجلة مفرد

رق الهواء برقة وقدامة … فغدوت رقا للزمان المسعد

فكأن دجلة طيلسان أبيض … والجسر فيها كالطراز الأسود


(١) في ذلك قال عبد الله بن المعتز:
ببلاد فيها الركايا عليهن … أكاليل من بعوض تعوم
جوها في الشتاء والصيف دخان … كثيف وماؤها محموم
ويح دار الملك التي تنفخ المسك … إذا ما جرى عليه النسيم

<<  <  ج: ص:  >  >>