للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَاءَهَا الْكِتَابُ مَعَ الطَّيْرِ وَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَ النَّاسُ الْبَطَائِقَ، وَلَكِنْ أَيْنَ الثُّرَيَّا مِنَ الثَّرَى، تِلْكَ الْبِطَاقَةُ كَانَتْ مَعَ طَائِرٍ سَامِعٍ مُطِيعٍ فَاهِمٍ عَالِمٍ بِمَا يَقُولُ وَيُقَالُ لَهُ، فَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْهُدْهُدَ حَمَلَ الْكِتَابَ وَجَاءَ إِلَى قَصْرِهَا فَأَلْقَاهُ إِلَيْهَا وَهِيَ فِي خَلْوَةٍ لَهَا ثُمَّ وَقَفَ نَاحِيَةً يَنْتَظِرُ مَا يَكُونُ مِنْ جَوَابِهَا عَنْ كِتَابِهَا، فجمعت أمراءها ووزراءها وأكابر دولتها إلى مَشُورَتِهَا (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ) ثُمَّ قَرَأَتْ عَلَيْهِمْ عُنْوَانَهُ أَوَّلًا (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ) ثُمَّ قَرَأَتْهُ: (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ثُمَّ شَاوَرَتْهُمْ فِي أَمْرِهَا وَمَا قَدْ حَلَّ بِهَا وَتَأَدَّبَتْ مَعَهُمْ، وَخَاطَبَتْهُمْ، وَهُمْ يَسْمَعُونَ (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) [النمل: ٣٢] تَعْنِي مَا كُنْتُ لِأَبُتَّ أَمْرًا إِلَّا وَأَنْتُمْ حَاضِرُونَ (قَالُوا نحن أولوا قوة وأولوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) يَعْنُونَ لَنَا قُوَّةٌ وَقُدْرَةٌ عَلَى الْجِلَادِ وَالْقِتَالِ وَمُقَاوَمَةِ الْأَبْطَالِ فَإِنْ أَرَدْتِ مِنَّا ذَلِكَ فَإِنَّا عليه من القادرين (وَ) مع هَذَا (اَلْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ) [النمل: ٣٣] فَبَذَلُوا لَهَا السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ وَأَخْبَرُوهَا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الِاسْتِطَاعَةِ، وَفَوَّضُوا إِلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْأَمْرَ، لِتَرَى فِيهِ مَا هُوَ الْأَرْشَدُ لَهَا وَلَهُمْ، فَكَانَ رَأْيُهَا أَتَمَّ وَأَسَدَّ مِنْ رَأْيِهِمْ، وَعَلِمَتْ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَالَبُ وَلَا يُمَانَعُ وَلَا يُخَالَفُ وَلَا يُخَادَعُ (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) [النمل: ٣٤] تَقُولُ بِرَأْيِهَا السَّدِيدِ إنَّ هَذَا الْمَلِكَ لَوْ قَدْ غَلَبَ عَلَى هَذِهِ الْمَمْلَكَةِ لَمْ يَخْلُصِ الْأَمْرُ مِنْ بينكم إلا إلي ولم تكن الحدة والشدة وَالسَّطْوَةُ الْبَلِيغَةُ إِلَّا عَلَيَّ (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) [النمل: ٣٥] أَرَادَتْ أَنْ تُصَانِعَ عَنْ نَفْسِهَا، وَأَهْلِ مَمْلَكَتِهَا

بِهَدِيَّةٍ تُرْسِلُهَا، وَتُحَفٍ تَبْعَثُهَا وَلَمْ تَعْلَمْ أنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا لِأَنَّهُمْ كَافِرُونَ وَهُوَ وَجُنُودُهُ عليهم قادرون ولهذا (لما جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) [النمل: ٣٦] هَذَا وَقَدْ كَانَتْ تِلْكَ الْهَدَايَا مُشْتَمِلَةً عَلَى أُمُورٍ عَظِيمَةٍ، كَمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ (١) .

ثُمَّ قَالَ لِرَسُولِهَا إِلَيْهِ وَوَافِدِهَا الَّذِي قَدِمَ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ حَاضِرُونَ يَسْمَعُونَ (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) [النمل: ٣٧] يَقُولُ ارْجِعْ بِهَدِيَّتِكَ الَّتِي قَدِمْتَ بِهَا إِلَى مَنْ قَدْ مَنَّ بِهَا، فَإِنَّ عِنْدِي مِمَّا قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ وَأَسْدَاهُ إِلَيَّ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَالتُّحَفِ، وَالرِّجَالِ مَا هُوَ أَضْعَافُ هَذَا وَخَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي أَنْتُمْ تَفْرَحُونَ بِهِ وَتَفْخَرُونَ عَلَى أَبْنَاءِ جِنْسِكُمْ بِسَبَبِهِ (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا) [النمل: ٣٧] أَيْ فَلْأَبْعَثَنَّ إِلَيْهِمْ بِجُنُودٍ لَا يَسْتَطِيعُونَ دِفَاعَهُمْ وَلَا نِزَالَهُمْ وَلَا مُمَانَعَتَهُمْ وَلَا قِتَالَهُمْ وَلَأُخْرِجَنَّهُمْ مِنْ بَلَدِهِمْ وحوزتهم ومعاملتهم ودولتهم أَذِلَّةً (وَهُمْ صَاغِرُونَ) عليهم الصغار والعار


(١) عن ابن عباس: بعث باثنتي عشرة وصيفة، واثني عشر غلاما، وعلى يد الوصائف أطباق مسك وعنبر، وباثنتي عشرة نجيبة تحمل لبن الذهب، وبعصا كان يتوارثها ملوك حمير ; وبخرزتين احداهما مثقوبة ثقبا معوجا والاخرى غير مثقوبة.
وبقدح لا شئ فيه.
(من ذهب) .
[قيل بعثت الهدية مع رجل من أشراف قومها يقال له المنذر بن عمرو] .
أحكام القرآن ١٣ / ١٩٦.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>