للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصود ان الله تعالى أمر رسوله أن يقص على الناس خبر زكريا وما كان من أمره حين وهبه الله ولدا على الكبر، وكانت امرأته [مع ذلك] (١) عاقرا في حال شبيبتها وقد أسنت أيضا حتى لا ييئس أحد من فضل الله ورحمته، ولا يقنط من فضله تعالى وتقدس فقال تعالى: (ذكر رحمت ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا). قال قتادة عند تفسيرها: إن الله يعلم القلب النقي ويسمع الصوت الخفي. وقال بعض السلف: قام من الليل فنادى ربه مناداة أسرها عمن كان حاضرا عنده مخافته فقال: " يا رب يا رب يا رب فقال الله لبيك لبيك لبيك ". (قال رب إني وهن العظم مني) أي ضعف وخار من الكبر (واشتعل الرأس شيبا) استعارة من اشتعال النار في الحطب أي غلب على سواد الشعر شبيه كما قال ابن دريد في مقصورته:

أما ترى رأسي حاكى لونه … طرة صبح تحت أذيال الدجا

واشتعل المبيض في مسوده … مثل اشتعال النار في جمر الغضا

وآض عود اللهو يبسا ذاويا … من بعد ما قد كان مجاج الثرى

يذكر أن الضعف قد استحوذ عليه باطنا وظاهرا وهكذا قال زكريا : (إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا) وقوله: (لم أكن بدعائك رب شقيا) أي ما دعوتني فيما أسألك إلا الإجابة وكان الباعث له على هذه المسألة أنه لما كفل مريم بنت عمران بن ما ثان وكان كلما دخل عليها محرابها وجد عندها فاكهة في غير أوانها ولا في آوانها وهذه من كرامات الأولياء فعلم أن الرازق للشئ في غير أوانه قادر على أن يرزقه ولدا وإن كان قد طعن في سنه (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء) وقوله: (وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا) قيل المراد بالموالي العصبة وكأنه خاف من تصرفهم بعده في بني إسرائيل بما لا يوافق شرع الله وطاعته فسأل وجود ولد من صلبه يكون برا تقيا مرضيا ولهذا قال: (فهب لي من لدنك) أي من عندك بحولك وقوتك (وليا يرثني) أي في النبوة (٢) والحكم في بني إسرائيل: (ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) يعني كما كان آباؤه وأسلافه من ذرية (٣) يعقوب أنبياء فاجعله مثلهم في الكرامة التي أكرمتهم بها من النبوة والوحي وليس المراد ههنا وراثة


(١) سقطت من نسخ البداية المطبوعة.
(٢) قال القرطبي في الآية: سؤال ودعاء; ولم يصرح بولد لما علم من حاله وبعده عنه بسبب المرأة فقيل كان عمره بضع وسبعين وقيل خمس وتسعين سنة وغلب على ظنه أنه لا يولد له لكبره.
"يرثني " قيل النبوة: قال القرطبي: فأما قومهم وراثة نبوة فمحال، لان النبوة لا تورث.
(٣) كان زكريا متزوجا بأخت مريم بنت عمران ويرجع نسبها إلى سليمان - داود - يهوذا يعقوب. وزكريا من ولد هارون أخي موسى وهارون وموسى من ولد لاوي بن يعقوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>