للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحينئذ يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ". [قال: فاشتد ذلك عليهم] قالوا يا رسول الله أينا ذلك الواحد؟ فقال رسول الله : " أبشروا فإن منكم واحدا ومن يأجوج ومأجوج ألفا " (١) وفي رواية فقال: " أبشروا فإن فيكم أمتين ما كانتا في شئ إلا كثرتاه ". أي غلبتاه كثرة وهذا يدل على كثرتهم وإنهم أضعاف الناس مرارا عديدة. ثم هم من ذرية نوح لان الله تعالى أخبر أنه استجاب لعبده نوح في دعائه على أهل الأرض بقوله: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) وقال تعالى: (فأنجيناه وأصحاب السفينة) وقال: (وجعلنا ذريته هم الباقين) وتقدم في الحديث المروي (٢) في المسند والسنن أن نوحا ولد له ثلاثة وهم سام وحام ويافث فسام أبو العرب وحام أبو السودان ويافث أبو الترك فيأجوج ومأجوج طائفة من الترك وهم مغل المغول وهم أشد بأسا وأكثر فسادا من هؤلاء ونسبتهم إليهم كنسبة هؤلاء إلى غيرهم. وقد قيل إن الترك إنما سموا بذلك حين بنى ذو القرنين السد وألجأ يأجوج ومأجوج إلى ما وراءه فبقيت منهم طائفة لم يكن عندهم كفسادهم فتركوا من ورائه. فلهذا قيل لهم الترك.

ومن زعم (٣) أن يأجوج ومأجوج خلقوا من نطفة آدم حين احتلم فاختلطت بتراب فخلقوا من ذلك وأنهم ليسوا من حواء فهو قول حكاه الشيخ أبو زكريا النواوي في شرح مسلم وغيره وضعفوه. وهو جدير بذلك إذ لا دليل عليه بل هو مخالف لما ذكرناه من أن جميع الناس اليوم من ذرية نوح بنص القرآن. وهكذا من زعم أنهم على أشكال مختلفة وأطوال متباينة جدا. فمنهم من هو كالنخلة السحوق. ومنهم من هو غاية في القصر. ومنهم من يفترش أذنا من أذنيه ويتغطى بالأخرى فكل هذه أقوال بلا دليل ورجم بالغيب بغير برهان. والصحيح أنهم من بني آدم وعلى أشكالهم وصفاتهم. وقد قال النبي : " إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا " (٤) ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن. وهذا فيصل في هذا الباب وغيره. وما قيل من أن أحدهم لا يموت حتى يرى من ذريته ألفا (٥) فإن صح في خبر قلنا به وإلا فلا نرده إذ يحتمله العقل والنقل أيضا قد يرشد إليه


(١) أخرجه مسلم في ١ كتاب الايمان ٩٦ باب يقول الله لآدم ٣٧٩/ ٢٢٢ ص ١/ ٢٠١ والبخاري حديث رقم: ١٥٨٤. وما بين معكوفين زيادة من مسلم.
وبعث النار: البعث هنا بمعنى المبعوث الموجه إليها، ومعناه ميز أهل النار من غيرهم.
(٢) رواه أبو هريرة عن النبي قال: ولد لنوح سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والبربر والسودان ". تقدم تخريجه.
(٣) قاله كعب الأحبار. وفي الخبر أن آدم احتلم; وفي هذا نظر لان الأنبياء لا يحتلمون قاله القرطبي.
(٤) أخرجه مسلم في ٥١/ ١١/ ٢٨/ ٢٨٤١ وأحمد في مسنده ج ٢/ ٣١٥.
(٥) رواه الهيثمي في الزوائد عن حذيفة بن اليمان عن النبي . قال رواه الطبراني في الأوسط وفيه يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>