للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والله أعلم. بل قد ورد حديث مصرح بذلك إن صح قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس الأصبهاني، حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا المغيرة، عن مسلم، عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابر عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال: " إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معائشهم ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا. وإن من ورائهم ثلاث أمم (تأويل وتاريس ومنسك) " (١). وهو حديث غريب جدا وإسناده ضعيف. وفيه نكارة شديدة. وأما الحديث الذي ذكره ابن جرير في تاريخه أن رسول الله ذهب إليهم ليلة الاسراء فدعاهم إلى الله فامتنعوا من إجابته ومتابعته وأنه دعا تلك الأمم التي هناك (تاريس وتأويل ومنسك) فأجابوه فهو حديث موضوع اختلقه أبو نعيم عمرو بن الصبح أحد الكذابين الكبار الذين اعترفوا بوضع الحديث والله أعلم.

فإن قيل فكيف دل الحديث المتفق عليه أنهم فداء المؤمنين يوم القيامة أنهم في النار ولم يبعث إليهم رسل. وقد قال الله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) فالجواب أنهم لا يعذبون إلا بعد قيام الحجة عليهم والاعذار إليهم كما قال تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) [الاسراء: ١٥] فإن كانوا في زمن الذي قبل بعث محمد قد أتتهم رسل منهم فقد قامت على أولئك الحجة وإن لم يكن قد بعث الله إليهم رسلا فهم في حكم أهل الفترة. ومن لم تبلغه الدعوة وقد دل الحديث المروي من طرق (٢) عن جماعة من الصحابة عن رسول الله : " إن من كان كذلك يمتحن في عرصات القيامة فمن أجاب الداعي دخل الجنة ومن أبى دخل النار " وقد أوردنا الحديث بطرقه وألفاظه وكلام الأئمة عليه عند قوله: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) وقد حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعري إجماعا عن أهل السنة والجماعة، وامتحانهم لا يقتضي نجاتهم، ولا ينافي الاخبار عنهم بأنهم من أهل النار لان الله يطلع رسوله على ما يشاء من أمر الغيب وقد اطلعه على أن هؤلاء من أهل الشقاء وأن سجاياهم تأبى قبول الحق والانقياد له فهم لا يجيبون الداعي إلى يوم القيامة فيعلم من هذا أنهم كانوا أشد تكذيبا للحق في الدنيا لو بلغهم فيها لان في عرصات القيامة ينقاد خلق ممن كان مكذبا في الدنيا فإيقاع الايمان هناك لما يشاهد من الأهوال أولى وأحرى منه في الدنيا والله أعلم. كما قال تعالى: (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا فعمل صالحا إنا موقنون) [السجدة: ١٢] وقال تعالى: (أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا) [مريم: ٣٨]. وأما الحديث الذي فيه أن رسول الله : " دعاهم ليلة الاسراء فلم يجيبوا " فإنه حديث منكر بل موضوع وضعه عمرو بن الصبح.


(١) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٨/ ٦ وقال رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات.
(٢) رواه ابن كثير في تفسير سورة الإسراء - الآية ١٥ - ج ٣/ ٤٨ وما بعدها. (دار احياء التراث).

<<  <  ج: ص:  >  >>