للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم).

قال غير واحد أرسل الله على أصل السد الفار وهو الجرذ ويقال الخلد فلما فطنوا لذلك أرصدوا عندها السنانير (١) فلم تغن شيئا إذ قد حم القدر ولم ينفع الحذر كلا لا وزر فلما تحكم في أصله الفساد سقط وأنهار فسلك الماء القرار فقطعت تلك الجداول والأنهار وانقطعت تلك الثمار ومادت تلك الزروع والأشجار وتبدلوا بعدها بردئ الأشجار والأثمار كما قال العزيز الجبار: (وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل) قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد هو الأراك وثمره البرير وأثل وهو الطرفاء (٢). وقيل يشبهه. وهو حطب لا ثمر له (وشئ من سدر قليل) وذلك لأنه لما كان يثمر النبق كان قليلا مع أنه ذو شوك كثير وثمره بالنسبة إليه كما يقال في المثل لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى ولهذا قال تعالى: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور) أي إنما نعاقب هذه العقوبة الشديدة من كفر بنا، وكذب رسلنا، وخالف أمرنا، وانتهك محارمنا. وقال تعالى: (فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق) وذلك أنهم لما هلكت أموالهم وخربت بلادهم احتاجوا أن يرتحلوا منها وينتقلوا عنها فتفرقوا في غور البلاد ونجدها أيدي سبأ شذر مذر (٣) فنزلت طوائف منهم الحجاز ومنهم خزاعة نزلوا ظاهر مكة وكان من أمرهم ما سنذكره ومنهم المدينة المنورة اليوم فكانوا أول من سكنها ثم نزلت عندهم ثلاث قبائل من اليهود بنو قينقاع وبنو قريظة وبنو النضير فخالفوا الأوس والخزرج وأقاموا عندهم وكان من أمرهم ما سنذكره ونزلت طائفة أخرى منهم الشام وهم الذين تنصروا فيما بعد وهم غسان وعاملة وبهراء ولخم وجذام وتنوخ وتغلب وغيرهم وسنذكرهم عند ذكر فتوح الشام في زمن الشيخين .

قال محمد بن إسحاق حدثني أبو عبيدة قال: قال الأعشى بن قيس بن ثعلبة وهو ميمون بن قيس:

وفي ذاك للمؤتسي أسوة … ومأرم عفى عليها العرم (٤)


(١) قال القرطبي في أحكامه: قال وهب: كانوا يزعمون أنهم يجدون في عملهم وكهانتهم أنه يخرب سدهم فأرة
فلم يتركوا فرجة بين صخرتين إلا ربطوا إلى جانبها هرة.
(٢) قال أبو عبيدة: الخمط: هو كل شجرة ذي شوك فيه مرارة. وقال الزجاج: الخمط كل نبت فيه مرارة لا
يمكن أكله.
والأثل: واحدته أثلة وجمعه أثلاث. وقال الحسن: الأثل الخشب وقال أبو عبيدة: الأثل: هو شجر النضار.
(٣) مثل كانت العرب تضربه في سبأ فتقول: تفرقوا أيدي سبأ وأيادي سبأ.
(٤) كذا في الأصل مأرم والصواب من ابن هشام: مأرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>