للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهيأ فيله وعبى جيشه، وكان اسم الفيل محمودا. فلما وجهوا الفيل إلى مكة أقبل نفيل بن حبيب (١) حتى قام إلى جنب الفيل ثم أخذ بأذنه فقال أبرك محمود وارجع راشدا من حيث أتيت. فإنك في بلد الله الحرام وأرسل أذنه. فبرك الفيل.

قال السهيلي أي سقط إلى الأرض وليس من شأن الفيلة أن تبرك وقد قيل إن منها ما يبرك كالبعير فالله أعلم (٢).

وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل. وضربوا الفيل ليقوم فأبى فضربوا رأسه بالطبر زين (٣) ليقوم فأبى فأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم فأبى فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول. ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك. ووجهوه إلى مكة فبرك. وأرسل الله عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان (٤) مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب منهم أحدا إلا هلك وليس كلهم أصابت. وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق التي منها جاؤوا. ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن فقال نفيل في ذلك:

ألا حييت عنا يا ردينا … نعمناكم مع الاصباح عينا

ردينة لو رأيت فلا تريه … لدى جنب المحصب ما رأينا (٥)

إذا لعذرتني وحمدت أمري … ولم تأسي على ما فات بينا

حمدت الله إذ أبصرت طيرا … وخفت حجارة تلقى علينا (٦)

وكل القوم يسأل عن نفيل … كأن علي للحبشان دينا


(١) نفيل بن حبيب الخثعمي كما في الطبري وابن الأثير والأزرقي. وقال في الروض الأنف هو: نفيل بن عبد الله بن جزء بن عامر بن مالك بن واهب بن جليحة بن أكلب بن ربيعة بن عفرس بن جلف بن أفتل. وهو خثعم. ويتفق معه ابن حزم ٣٩١ في نسبه إلا أنه يقول: نفيل بن حبيب بن عبد الله .. وهو دليل الحبشة إلى البيت.
(٢) عبارة السهيلي: قوله فبرك الفيل فيه نظر لان الفيل لا يبرك فيحتمل أن يكون فعل فعل البارك الذي يلزم موضعه ولا يبرح فعبر بالبروك عن ذلك ويحتمل أن يكون بروكه سقوطه إلى الأرض لما دهمه من أمر الله تعالى، وقد سمعت أن في الفيلة صنفا يبرك كما يبرك الجمل. راجع حياة الحيوان الكبرى للدميري ج ٢/ ٢٣٢.
(٣) الطبرزين: آلة معقفة من الحديد، وطبر كلمة فارسية معناها الفأس. وفي حياة الحيوان عند الدميري: فضربوه بالحديد.
(٤) قال ابن الأثير في النهاية مادة بلس: قال عباد بن موسى أظنها الزرازير. ١/ ١١١.
(٥) في الطبري وابن الأثير: ولم تريه وفي الأزرقي: ولن تريه. وقبله في الطبري وابن الأثير:
آتانا قابس منكم عشاء … فلم يقدر لقابسكم لدينا
(٦) في الطبري وابن الأثير: إذ عاينت بدل أبصرت.

<<  <  ج: ص:  >  >>