للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَطْلُعُ عَلَيْنَا، فَطَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَامٌ عَلَيْهِ وِشَاحُ نَمِرَةٍ، فَحَكَّمُوهُ فَأَمَرَ بِالرُّكْنِ فَوُضِعَ فِي ثَوْبٍ، ثمَّ أَخْرَجَ سَيِّدَ كُلِّ قَبِيلَةٍ، فَأَعْطَاهُ نَاحِيَةً مِنَ الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْتَقَى هُوَ فَرَفَعُوا إِلَيْهِ الرُّكْنَ،

فَكَانَ هُوَ يَضَعُهُ، فَكَانَ لَا يَزْدَادُ على السن الأرضي (١) حَتَّى دَعَوْهُ الْأَمِينَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَطَفِقُوا لَا يَنْحَرُونَ جَزُورًا إِلَّا الْتَمَسُوهُ فَيَدْعُو لَهُمْ فِيهَا، وَهَذَا سِيَاقٌ حَسُنٌ، وَهُوَ مِنْ سِيَرِ الزُّهْرِيِّ، وَفِيهِ مِنَ الْغَرَابَةِ قَوْلُهُ: فَلَمَّا بَلَغَ الْحُلُمَ.

وَالْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا كَانَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمُرُهُ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً، وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (٢) .

وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانَ بِنَاءُ الْكَعْبَةِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.

وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعُرْوَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَغَيْرُهُمْ.

فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانَ بَيْنَ الْفِجَارِ وَبَيْنَ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.

قُلْتُ: وَكَانَ الْفِجَارُ وَحِلْفُ الْفُضُولِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ إِذْ كَانَ عُمُرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرُونَ سَنَةً.

وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (٣) .

قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَإِنَّمَا حَمَلَ قُرَيْشًا عَلَى بِنَائِهَا أَنَّ السُّيُولَ كَانَتْ تَأْتِي مِنْ فَوْقِهَا، مِنْ فَوْقِ الرَّدْمِ الَّذِي صفوه فَخَرَّ بِهِ فَخَافُوا أَنْ يَدْخُلَهَا الْمَاءُ.

وَكَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مُلَيْحٌ سَرَقَ طِيبَ الْكَعْبَةِ.

فَأَرَادُوا أَنْ يَشِيدُوا بُنْيَانَهَا وَأَنْ يَرْفَعُوا بَابَهَا حتى لا يدخلها إلا من شاؤوا فَأَعَدُّوا لِذَلِكَ نَفَقَةً وَعُمَّالًا.

ثُمَّ غَدَوْا إِلَيْهَا ليهدموها على شفق وحذر أن يمنعهم الَّذِي أَرَادُوا.

فَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ طَلَعَهَا وَهَدَمَ منها شيئا: والوليد بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَلَمَّا رَأَوُا الَّذِي فَعَلَ الْوَلِيدُ تَتَابَعُوا فَوَضَعُوهَا، فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ.

فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَأْخُذُوا فِي بُنْيَانِهَا أَحْضَرُوا عُمَّالَهُمْ فَلَمْ يَقْدِرْ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ يَمْضِيَ أَمَامَهُ مَوْضِعَ قَدَمٍ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا حَيَّةً قَدْ أَحَاطَتْ بِالْبَيْتِ، رَأْسُهَا عِنْدَ ذَنَبِهَا.

فَأَشْفَقُوا مِنْهَا شَفَقَةً شَدِيدَةً، وَخَشَوْا أَنْ يَكُونُوا قَدْ وَقَعُوا مِمَّا عَمِلُوا فِي هَلَكَةٍ.

وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ حِرْزَهُمْ وَمَنَعَتَهُمْ مِنَ النَّاسِ وَشَرَفًا لَهُمْ فَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ قَامَ فِيهِمُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ فَذَكَرَ ما كان


(١) في الدلائل: ثم طفق لا يزداد على السن إلا رضا.
(٢) رواه الازرقي في أخبار مكة ١ / ٩٩.
(٣) قال ابن هشام: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ هاجت حرب الفجار.
وقال ابْنُ إِسْحَاقَ: هَاجَتْ حَرْبُ الْفِجَارِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً.
وقال ابن سيد الناس: ولما بَلَغَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِبُنْيَانِ الْكَعْبَةِ.
وقال الازرقي: اختصمت قريش..وطلع عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غلام عليه وشاحا نمرة والذي جزم به ابن إسحق أن بنيان الكعبة كان قبل المبعث بخمس سنين.
١ / ١٥٩.
نقول يمكن أن يكون الحريق تقدم وقته على الشروع في البناء، أو لعل البناء كان في فترات..انتهت قبل المبعث بخمس سنوات.
ويمكن أن يكون قد وقع التباس لدى المؤرخين في زمن احتراق الكعبة (فقال الزهري لما بلغ رسول الله الحلم احترقت..و) والانتهاء من هدمها وبنائها.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>