للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسدي وربيعة بن ناجذ عن علي نحو ما تقدم - أو كالشاهد له - والله أعلم. ومعنى قوله في هذا لحديث؟: من يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي يعني إذا مت، وكأنه خشي إذا قام بابلاغ الرسالة إلى مشركي العرب أن يقتلوه، فاستوثق من يقوم بعده بما يصلح أهله، ويقضي عنه، وقد أمنه الله من ذلك في قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) [المائدة: ٦٧] الآية والمقصود أن رسول الله استمر يدعو إلى الله تعالى ليلا ونهارا، وسرا وجهارا، لا يصرفه عن ذلك صارف ولا يرده عن ذلك راد، ولا يصده عنه ذلك صاد، يتبع الناس في أنديتهم، ومجامعهم ومحافلهم وفي المواسم، ومواقف الحج. يدعو من لقيه من حر وعبد وضعيف وقوي، وغني وفقير، جميع الخلق في ذلك عنده شرع سواء. وتسلط عليه وعلى من اتبعه من آحاد الناس من ضعفائهم الأشداء الأقوياء من مشركي قريش بالأذية القولية والفعلية، وكان من أشد الناس عليه عمه أبو لهب - واسمه عبد العزى بن عبد المطلب - وامرأته أم جميل أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان وخالفه في ذلك عمه أبو طالب بن عبد المطلب، وكان رسول الله أحب خلق الله إليه طبعا وكان يحنو عليه ويحسن إليه، ويدافع عنه ويحامي، ويخالف قومه في ذلك مع أنه على دينهم وعلى خلتهم، إلا أن الله تعالى قد امتحن قلبه بحبه حبا طبعيا لا شرعيا. وكان استمراره على دين قومه من حكمة الله تعالى، ومما صنعه لرسوله من الحماية، إذ لو كان أسلم أبو طالب لما كان له عند مشركي قريش وجاهة ولا كلمة، ولا كانوا يهابونه ويحترمونه. ولاجترؤا عليه، ولمدوا أيديهم وألسنتهم بالسوء إليه، وربك يخلق ما يشاء ويختار (١). وقد قسم خلقه أنواعا وأجناسا، فهذان العمان كافران أبو طالب وأبو لهب. ولكن هذا يكون في القيامة في ضحضاح من نار، وذلك في الدرك الأسفل من النار، وأنزل الله فيه سورة في كتابه تتلى على المنابر، وتقرأ في المواعظ والخطب. تتضمن أنه يصلى نارا ذات لهب، وامرأته حمالة الحطب. قال الإمام أحمد حدثنا إبراهيم بن أبي العباس حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه. قال: أخبر رجل يقال له ربيعة بن عباد من بني الديل - وكان جاهليا فأسلم - قال: رأيت رسول الله في الجاهلية في سوق ذي المجاز [يمشي بين ظهراني الناس] (٢) وهو يقول: " يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضئ الوجه أحول ذو غديرتين يقول: إنه صابئ كاذب يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه فقالوا هذا عمه أبو لهب ثم رواه هو والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد بنحوه (٣). وقال البيهقي أيضا حدثنا أبو طاهر (٤) الفقيه حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن (٥)


(١) يفهم من كلام ابن كثير أن أبا طالب، قضى كافرا، وأن الله تعالى قضى بذلك لحكمة عنده حماية لرسوله وذودا للاسلام .. أقول هذا تعليل غير سائغ وغير مقبول.
(٢) ما بين معقوفتين زيادة من دلائل البيهقي.
(٣) مسند أحمد ج ٣ (٤٩٢) ودلائل البيهقي ج ٢/ ١٨٦.
(٤) وهو محمد بن محمد بن محمش الفقيه.
(٥) في الدلائل: الحسين.

<<  <  ج: ص:  >  >>