للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثلها [معها، قال] : وقد صليت يابن أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثِ سِنِينَ، قَالَ: قُلْتُ: لِمَنْ؟ قَالَ لِلَّهِ، قُلْتُ: فَأَيْنَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ حَيْثُ وَجَّهَنِيَ اللَّهُ.

قَالَ وَأُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيل ألفيت كَأَنِّي خِفَاءٌ (١) حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ قَالَ فَقَالَ أنيس: إن لي حاجة بمكة فألقني حَتَّى آتِيَكَ قَالَ فَانْطَلَقَ فَرَاثَ (٢) عَلَيَّ، ثُمَّ أَتَانِي فَقُلْتُ مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ عَلَى دِينِكَ، قَالَ فَقُلْتُ مَا يَقُولُ النَّاسُ لَهُ؟ قَالَ يَقُولُونَ (٣) إِنَّهُ شَاعِرٌ وَسَاحِرٌ، وَكَانَ أُنَيْسٌ شَاعِرًا.

قَالَ فَقَالَ لَقَدْ سَمِعْتُ الْكُهَّانَ فَمَا يَقُولُ بِقَوْلِهِمْ، وَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ فَوَاللَّهِ مَا يَلْتَئِمُ لِسَانَ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ، وَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ.

قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ هَلْ أَنْتَ كافيِّ حَتَّى أَنْطَلِقَ؟ قَالَ نَعَمْ! وَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى حَذَرٍ فَإِنَّهُمْ قد شنَّعوا لَهُ وَتَجَهَّمُوا لَهُ.

قَالَ فَانْطَلَقْتُ حَتَّى

قَدِمْتُ مَكَّةَ فَتَضَعَّفْتُ (٤) رَجُلًا مِنْهُمْ فَقُلْتُ أَيْنَ هَذَا الرجل الذي يدعونه الصابئ؟ قال: فأشار إلى [الصَّابِئُ] (٥) فَمَالَ أَهْلُ الْوَادِي عَلَيَّ بِكُلِّ مَدَرَةٍ وعظم حتى خررت مغشياً عليّ، ثم ارتفعت حِينَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ، فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا، وَغَسَلْتُ عَنِّي الدَّمَ، وَدَخَلْتُ بين الكعبة وأستارها، فلبثت به يابن أخي ثلاثين من يوم وليلة، مالي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي (٦) وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ (٧) جُوعٍ قَالَ فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قمراء أضحيان وضرب الله على أشحمة (٨) أَهْلِ مَكَّةَ فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ غَيْرُ امْرَأَتَيْنِ، فأتتا علي وهما يدعوان إساف ونائلة.

فقلت: انكحوا أَحَدَهُمَا الْآخَرَ فَمَا ثَنَاهُمَا ذَلِكَ، فَقُلْتُ وَهُنَّ مثل الخشبة (٩) غير أني لم أركن (١٠) .

قال: فانطلقتا يولولان ويقولان لو كان ههنا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا، قَالَ: فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هابطان من الجبل فقال مالكما؟ فَقَالَتَا الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا قَالَا: مَا قَالَ لَكُمَا؟ قَالَتَا: قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلَأُ الْفَمَ، قَالَ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَصَاحَبُهُ حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ صَلَّى.

قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حيَّاه بِتَحِيَّةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ.

فَقَالَ: " عليك السَّلام ورحمة الله من أَنْتَ؟ " قَالَ قُلْتُ مِنْ غِفَارٍ، قَالَ: فَأَهْوَى بيده


= كاهنا فحكم لانيس بأنه الافضل - وهو معنى قوله - فخير أنيسا، أي جعله الخيار والافضل.
(١) الخفاء هو الكساء وجمع أخفية ككساء وأكسية، وفي رواية المقرئ في البيهقي: يعني الثوب.
(٢) راث: أي أبطأ علي.
(٣) في نسخة البداية المطبوعة: يقولوا وهو تحريف.
(٤) أي نظرت إلى أضعفهم فسألته.
(٥) من دلائل البيهقي، والمعنى هنا: أي انظروا وخذوا هذا الصابئ.
(٦) عكن: جمع عكنة، وهو الطي في البطن من السمن، والمعنى: انثنت وانطوت طاقات لحم بطنه.
(٧) سخفة: بفتح السين وضمها.
وهي رقة الجوع وضعفه وهزاله.
(٨) في الدلائل: أصمخة وهي هنا الآذان، أي ناموا.
(٩) المراد هنا سب وإهانة اساف ونائلة، الصنمان، وإغاظة الكفار.
(١٠) في مسلم: لا أكني.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>