للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إسحاق: وحدثني محمد بن عبد الرحمن بن [عبد الله بن] حصين أنه أتى كلبا في منازلهم إلى بطن منهم يقال لهم: بنو عبد الله فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه، حتى إنه ليقول: " يا بني عبد الله إن الله قد أحسن اسم أبيكم " فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم. وحدثني بعض أصحابنا عن عبد الله بن كعب بن مالك: أن رسول الله أتى بني حنيفة في منازلهم فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فلم يك أحد من العرب أقبح ردا عليه منهم. وحدثني الزهري أنه أتى بني عامر بن صعصعة، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه. فقال له رجل منهم يقال له: بيحرة بن فراس (١): والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال له: أرأيت إن نحن تابعناك (٢) على أمرك ثم أظهرك الله على من يخالفك أيكون لنا الامر من بعدك؟ قال: " الامر لله يضعه حيث يشاء ". قال فقال له أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الامر لغيرنا! لا حاجة لنا بأمرك. فأبوا عليه. فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم، قد كان أدركه السن حتى لا يقدر أن يوافي معهم المواسم، فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم، فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم، فقالوا: جاءنا فتى من قريش، ثم أحد بني عبد المطلب، يزعم أنه نبي، يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلا بلادنا قال: فوضع الشيخ يده على رأسه ثم قال: يا بني عامر هل لها من تلاف؟ هل لذناباها من مطلب (٣)؟ والذي نفس فلان بيده ما تقولها إسماعيلي قط، وإنها لحق فأين رأيكم كان عنكم (٤)؟.

وقال موسى بن عقبة عن الزهري: فكان رسول الله في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم، ويكلم كل شريف قوم لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤوه ويمنعوه ويقول: " لا أكره أحدا منكم على شئ، من رضي منكم بالذي أدعوه إليه فذلك، ومن كره لم أكرهه، إنما أريد أن تحرزوني فيما يراد لي من القتل حتى أبلغ رسالة ربي، وحتى يقضي الله لي ولمن صحبني بما شاء ". فلم يقبله أحد منهم، وما يأت أحدا من تلك القبائل إلا قال: قوم الرجل أعلم به، أترون أن رجلا يصلحنا وقد أفسد قومه ولفظوه؟! وكان ذلك مما ذخره الله للأنصار وأكرمهم به (٥).

وقد روى الحافظ أبو نعيم من طريق عبد الله بن الأجلح ويحيى بن سعيد الأموي كلاهما عن


(١) بيحرة بن فراس: بن عبد الله بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. قاله ابن هشام. وفي الأصل بحيرة.
(٢) في ابن هشام: بايعناك.
(٣) مثل يضرب لما فات وأصله ذنابي الطير إذا أفلت من الحبالة فطلبت الاخذ به.
(٤) الخبر في سيرة ابن هشام: ج ٢/ ٦٥ - ٦٦.
(٥) الخبر في دلائل البيهقي ج ٢/ ٤١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>