للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعند أهل الكتاب أن يوسف باع أهل مصر وغيرهم من الطعام الذي كان تحت يده - بأموالهم كلها من الذهب والفضة والعقار والأثاث وما يملكونه كله حتى باعهم بأنفسهم فصاروا أرقاء … ثم أطلق لهم أرضهم وأعتق رقابهم على أن يعملوا ويكون خمس ما يشتغلون من زرعهم وثمارهم للملك فصارت سنة أهل مصر بعده (١).

وحكى الثعلبي أنه كان لا يشبع في تلك السنين حتى لا ينسى الجيعان وأنه إنما كان يأكل أكلة واحدة نصف النهار قال فمن ثم اقتدى به الملوك في ذلك … قلت وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لا يشبع بطنه عام الرمادة (٢) حتى ذهب الجدب وأتى الخصب.

وقال الشافعي قال رجل من الاعراب لعمر بعد ما ذهب عام الرمادة لقد انجلت عند وإنك لابن حرة. ثم لما رأى يوسف نعمته قد تمت وشمله قد اجتمع عرف أن هذه الدار لا يقربها قرار وأن كل شئ فيها ومن عليها فان. وما بعد التمام إلا النقصان فعند ذلك أثنى على ربه بما هو أهله واعترف له بعظيم إحسانه وفضله. وسأل منه - وهو خير المسؤولين - أن يتوفاه أي حين يتوفاه على الاسلام. وأن يلحقه بعباده الصالحين. وهكذا كما يقال في الدعاء " اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين " أي حين تتوفانا. ويحتمل أنه سأل ذلك عند احتضاره كما سأل النبي عند احتضاره أن يرفع روحه إلى الملأ الأعلى والرفقاء الصالحين من النبيين والمرسلين كما قال: " اللهم في الرفيق الاعلى " ثلاثا ثم قضى (٣).

ويحتمل أن يوسف سأل الوفاة على الاسلام منجزا في صحة بدنه وسلامته وأن ذلك كان سائغا في ملتهم وشرعتهم كما روي عن ابن عباس أنه قال: ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف. فأما في شريعتنا فقد نهى عن الدعاء بالموت إلا عند الفتن كما في حديث معاذ في الدعاء الذي رواه أحمد: " وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين " (٤) وفي الحديث الآخر: " ابن آدم، الموت خير لك من الفتنة " وقالت مريم (يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) [مريم: ٢٣] وتمنى الموت علي بن أبي طالب لما تفاقمت الأمور وعظمت الفتن واشتد


(١) هو ما كانوا يسمونه في مصر نظام المزارعة، وقد بقي معمولا بعقود هذا النظام إلى وقت متأخر.
(٢) عام الرمادة: لما صدر الناس عن الحج سنة ثماني عشرة أصاب الناس جهد شديد وأجدبت البلاد وأهلكت الماشية وجاع الناس وهلكوا. سمي ذلك العالم عام الرمادة لان الأرض كلها صارت سوداء فشبهت بالرماد وكانت تسعة أشهر. طبقات ابن سعد ٣/ ٣١٠.
(٣) أخرجه البيهقي في الدلائل ج ٧/ ٢٠٨ عن عائشة ورواه البخاري في الصحيح عن بشر بن محمد بن مبارك ح ٤٤٣٥ في ٦٤ كتاب المغازي ٨٣ باب مرض رسول الله عن عائشة فتح الباري ٨/ ١٣٦.
(٤) الحديث رواه الترمذي في سننه ٤٨/ ٣٩/ ٣٢٣٥ وقال: هذا الحديث حسن صحيح. ورواه أحمد في المسند ١/ ٣٦٨، ٤/ ٦٦، ٥/ ٢٤٣، ٥/ ٤٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>