للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحيى التميمي: أما بعد فقد اخضرت الجنان (١) وأينعت الثمار ولطمت الجمام (٢)، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجندة والسلام عليك. فاجتمعت الرسل كلها بكتبها عند الحسين، وجعلوا يستحثونه ويستقدمونه عليهم ليبايعوه عوضا عن يزيد بن معاوية، ويذكرون في كتبهم أنهم فرحوا بموت معاوية، وينالون منه ويتكلمون في دولته، وأنهم لما يبايعوا أحدا إلى الآن، وأنهم ينتظرون قدومك إليهم ليقدموك عليهم، فعند ذلك بعث ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى العراق (٣): ليكشف له حقيقة هذا الامر والاتفاق، فإن كان متحتما وأمرا حازما محكما بعث إليه ليركب في أهل وذويه، ويأتي الكوفة ليظفر بمن يعاديه، وكتب معه كتابا إلى أهل العراق بذلك، فلما سار مسلم من مكة اجتاز بالمدينة فأخذ منها دليلين فسارا به على براري مهجورة المسالك، فكان أحد الدليلين منهما أول هالك، وذلك من شدة العطش، وقد أضلوا الطريق فهلك الدليل الواحد بمكان يقال له المضيق، من بطن خبيت (٤)، فتطير به مسلم بن عقيل، فتلبث مسلم على ما هنالك ومات الدليل الآخر فكتب إلى الحسين يستشيره في أمره، فكتب إليه يعزم عليه أن يدخل العراق، وأن يجتمع بأهل الكوفة ليستعلم أمرهم ويستخبر خبرهم.

فلما دخل الكوفة نزل على رجل يقال له مسلم بن عوسجة الأسدي، وقيل نزل في دار المختار بن أبي عبيد الثقفي فالله أعلم. فتسامع أهل الكوفة بقدومه فجاؤوا إليه فبايعوه على إمرة الحسين، وحلفوا له لينصرنه بأنفسهم وأموالهم، فاجتمع على بيعته من أهلها اثنا عشر ألفا، ثم تكاثروا حتى بلغوا ثمانية عشر ألفا، فكتب مسلم إلى الحسين ليقدم عليها فقد تمهدت له البيعة والأمور، فتجهز الحسين من مكة قاصدا الكوفة كما سنذكره. وانتشر خبرهم حتى بلغ أمير الكوفة النعمان بن بشير خبره رجل بذلك، فجعل يضرب عن ذلك صفحا ولا يعبأ به، ولكنه خطب الناس ونهاهم عن الاختلاف والفتنة، وأمرهم بالائتلاف والسنة، وقال: إني لا أقاتل من لا يقاتلني، ولا أثب على من لا يثب علي، ولا آخذكم بالظنة، ولكن والله الذي لا إله إلا هو لئن فارقتم إمامكم ونكثتم بيعته لأقاتلنكم ما دام في يدي من سيفي قائمته. فقام إليه رجل يقال له عبد الله بن مسلم بن شعبة (٥) الحضرمي فقال له: إن هذا الامر لا يصلح إلا بالغشمة، وإن الذي سلكته أيها الأمير مسلك المستضعفين. فقال له النعمان: لان أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأقوياء الأعزين في معصية الله. ثم نزل فكتب ذلك الرجل إلى يزيد


(١) في الطبري: الجناب. وفي ابن الأعثم: الجنات.
(٢) في ابن الأعثم: وأينعت الثمار وأعشبت الأرض وأورقت الأشجار.
(٣) في الطبري: فسرحه مع قيس بن مسهر وعمارة بن عبيد السلولي وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرحبي.
(٤) في الاخبار الطوال: بطن الحربث. البطن: الموضع الغامض من الوادي. والبطون كثيرة. والحربث نبت أسود وزهرته بيضاء وهو من أطيب المراعي.
(٥) في الطبري والكامل سعيد. وفي الاخبار الطوال ص ٢٣١: مسلم بن سعيد الحضرمي.

<<  <  ج: ص:  >  >>