للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان مولده ومولد يزيد بن معاوية في سنة ست وعشرين، وقد كان عبد الملك قبل الخلافة من العباد الزهاد الفقهاء (١) الملازمين للمسجد التالين للقرآن، وكان ربعة من الرجال أقرب إلى القصر. وكانت أسنانه مشبكة بالذهب، وكان أفوه مفتوح الفم، فربما غفل فينفتح فمه فيدخل فيه الذباب، ولهذا كان يقال له أبو الذباب. وكان أبيض ربعة ليس بالنحيف ولا البادن، مقرون الحاجبين أشهل كبير العينين دقيق (٢) الانف مشرق الوجه أبيض الرأس واللحية حسن الوجه لم يخضب، ويقال إنه خضب بعد. وقد قال نافع: لقد رأيت المدينة وما فيها شاب أشد تشميرا ولا أفقه ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان، وقال الأعمش عن أبي الزناد: كان فقهاء المدينة أربعة سعيد بن المسيب، وعروة، وقبيصة بن ذويب، وعبد الملك بن مروان قبل أن يدخل في الامارة. وعن ابن عمر أنه قال: ولد الناس أبناء وولد مروان أبا - يعني عبد الملك - ورآه يوما وقد ذكر اختلاف الناس، فقال: لو كان هذا الغلام اجتمع الناس عليه، وقال عبد الملك: كنت أجالس بريدة بن الحصيب فقال لي يوما: يا عبد الملك إن فيك خصالا، وإنك لجدير أن تلي أمر هذه الأمة، فاحذر الدماء فإني سمعت رسول الله يقول: " إن الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليها على محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حق ". وقد أثني عليه قبل الولاية معاوية وعمرو بن العاص في قصة طويلة.

وقال سعيد بن داود الزبيري: عن مالك، عن يحيى بن سعيد بن داود الزبيري قال: كان أول من صلى ما بين الظهر والعصر عبد الملك بن مروان وفتيان معه، فقال سعيد بن المسيب: ليست العبادة بكثرة الصلاة والصوم، إنما العبادة التفكر في أمر الله والورع عن محارم الله. وقال الشعبي: ما جالست أحدا إلا وجدت لي الفضل عليه إلا عبد الملك بن مروان فأني ما ذاكرته حديثا إلا زادني منه، ولا شعرا إلا زادني فيه. وذكر خليفة بن خياط أن معاوية كتب إلى مروان وهو نائبه عن المدينة سنة خمسين أن ابعث ابنك عبد الملك على بعث المدينة إلى بلاد المغرب مع معاوية بن خديج، فذكر من كفايته وغنائه ومجاهدته في تلك البلاد شيئا كثيرا. ولم يزل عبد الملك مقيما بالمدينة حتى كانت وقعة الحرة، واستولى ابن الزبير على بلاد الحجاز، وأجلى بني أمية من هنالك، فقدم مع أبيه الشام، ثم لما صارت الامارة مع أبيه وبايعه أهل الشام كما تقدم أقام في الامارة تسعة أشهر ثم عهد إليه بالامارة من بعده، فاستقل عبد الملك بالخلافة في مستهل رمضان أو ربيع الأول من سنة خمس وستين، واجتمع الناس عليه بعد مقتل ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين في جمادى الأولى إلى هذه السنة.

وقال ثعلب عن ابن الأعرابي: لما سلم على عبد الملك بالخلافة كان في حجره مصحف فأطبقه


(١) انظر في مقام عبد الملك في الفقه طبقات الفقهاء للشيرازي ص ٦٢.
(٢) في فوات الوفيات ٢/ ٤٠٣: مشرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>