للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن الحنفية إلى مكة وقضى نسكه وذلك بعد عدة سنين، وكان القمل يتناثر منه في تلك المدة كلها، فلما قضى نسكه رجع إلى المدينة أقام بها حتى مات، وقيل إن الحجاج لما قتل ابن الزبير بعث إلى ابن الحنفية: قد قتل عدو الله فبايع، فكتب إليه إذا بايع الناس كلهم بايعت، فقال الحجاج: والله لأقتلنك، فقال ابن الحنفية إن لله في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة في اللوح المحفوظ، في كل نظرة ثلاثمائة وستون قضية، فلعل الله تعالى أن يجعلني في قضية منها فيكفينيك فكتب الحجاج إلى عبد الملك بذلك فأعجبه قوله وكتب إليه قد عرفنا أن محمداً ليس عنده خلاف فارفق به فهو يأتيك ويبايعك، وكتب عبد الملك بكلامه ذلك - إن الله ثلاثمائة وستين نظرة - إلى ملك الرُّوم، وذلك أن ملك الروم كتب إلى عبد الملك يتهدده بجموع من الجنود لا يطيقها أحد، فكتب بكلام ابن الحنفية فقال ملك الروم: إنَّ هذا الكلام ليس من كلام عبد الملك، وإنما خرج من بيت نبوة، ولما اجتمع الناس على بيعة عبد الملك قال ابن عمر لابن الحنفية: ما بقي شئ فبايع، فكتب (١) بيعته إلى عبد الملك ووفد عليه بعد ذلك.

توفي ابن الحنفية في المحرم بالمدينة وعمره خمس وستون سنة، وكان له من الولد عبد الله وحمزة وعلي وجعفر الأكبر والحسن وإبراهيم والقاسم (٢) وعبد الرحمن وجعفر الأصغر وعون ورقية، وكلهم لأمهات شتى.

وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: كَانَتْ شِيعَتُهُ تَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَفِيهِ يَقُولُ السَّيِّدُ: (٣) أَلَا قُلْ لِلْوَصِيِّ فَدَتْكَ نَفْسِي * أَطَلْتَ بِذَلِكَ الْجَبَلِ الْمُقَامَا أَضَرَّ بِمَعْشَرٍ والوكَ مِنَّا * وَسَمَّوْكَ الْخَلِيفَةَ وَالْإِمَامَا وَعَادَوْا فِيكَ أَهْلَ الْأَرْضِ طُرًّا * مَقَامُكَ فيهم سِتِّينَ عَامَا (٤) وَمَا ذَاقَ ابْنُ خَوْلَةَ طَعْمَ موت * ولا وارث لَهُ أَرْضٌ عِظَامَا لَقَدْ أَمْسَى (٥) بِمُورِقِ شِعْبِ رَضْوَى * تُرَاجِعُهُ الْمَلَائِكَةُ الْكَلَامَا وَإِنَّ لَهُ بِهِ لَمَقِيلَ صِدْقٍ * وَأَنْدِيَةً تُحَدِّثُهُ كِرَامَا هَدَانَا اللَّهُ ادخرتم (٦) لأمر * به عليه يلتمس التماما


(١) انظر نسخة الكتاب في طبقات ابن سعد ٥ / ١١١.
(٢) في وفيات الاعيان عن أبي اليقظان ٤ / ١٧٣: اسمه الهيثم.
وزاد ابن سعد في الطبقات: ٥ / ٩٢: وعبد الله الأصغر وعبد الله بن محمد غير عبد الله أبي هاشم وأمه أم ولد هو ورقية.
(٣) وهو السيد الحميري واسمه إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رَبِيعَةَ بن مفرغ الحميري شاعر مشهور وكان كيساني الاعتقاد.
يكنى أبا هاشم حبسه عبيد الله بن زياد ثم أطلقه معاوية.
(٤) في مروج الذهب ٣ / ٩٥: مغيبك عنهم سبعين عاما.
(٥) في الاغاني ٩ / ١٤: أوفى.
(٦) في الاغاني: إذا جرتم ... به ولديه نلتمس التماما.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>