للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب في الإحسان والعفو]

قوله [لا يقريني ولا يضيفني] المراد بالقري الاطعام، وبالضيافة الضم إلى نفسه وبيته وإن لم يطعم، ومعنى تفسير المؤلف فيما بعد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالأمرين كليهما حيث فسر أحد اللفظين بالآخر إشارة إلى الجمع بينهما لا الاكتفاء بأحدهما كما يوهمه الظاهر. قوله [وإن أساموا فلا تظلموا] إن أريدا بذلك الظلم الزيادة على حقه من الظلم وافق الحديث الآية {إِنْ عَاقَبْتُمْ (١) فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}، وإن أريد بذلك هو الذي كان له من الظلم على الذي ظلم عليه فالحديث تعليم للأدب والإحسان، وهو في ترك حقه كما قاله عليه السلام: (٢) وأعفه عمن ظلمك، والآية بيان الجائز.

[باب في الحياء]

قوله [الحياء من الإيمان] أي من (٣) مقتضياته وكاللوازم له بحيث يستدل بوجود كل منهما على وجود الآخر إذا قطع النظر عن العوارض والموانع.

[باب التأني والعجلة]

قوله [جزء من أربعة (٤) وعشرين إلخ] أي


(١) وقوله تعالى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}، وأخرج ابن جرير في تفسيره عن السدي إذ اشتمك فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي.
(٢) وإليه إيماء في قوله تعالى: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}، وقال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، وأخرج السيوطي بطرق كثيرة أول مناد من عند الله يقول: أين الذين أجرهم على الله فيقوم من عفا في الدنيا.
(٣) قال العيني: إن قيل لم أفرد الحياء بالذكر من بين سائر الشعب، أجيب بأنه كالداعي إلى سائر الشعب فإن الحي يخاف فضيحة الدنيا وفظاعة الآخرة فينزجر عن المعاصي ويمتثل الطاعات كلها، وقال الطيبي: معنى إفراد الحياء بالذكر بعد دخوله في الشعب كأنه يقول هذه شعبة واحدة من شعبه فهل تحصي شعبها كلها هيهات إن البحر لا تغرف، انتهى.
(٤) ووقع في حديث ابن عباس عند أبي داؤد: الهدى الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءًا من النبوة، قال الحافظ في الفتح: ذكر القرطبي في المفهم بلفظ من ستة وعشرين، قال ابن العربي في حديث الرؤيا جزء من أجزاء النبوة، أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها إلا ملك أو بني، وإنما القدر الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة في الجملة، وأما تفصيل النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة، قال المازري: لا يلزم العالم أن يعرف كل شيء جملة وتفصيلاً، فقد جعل الله للعالم حدًا يقف عنده، فمنه ما يعلم المراد منه جملة وتفصيلاً، ومنه ما يعلمه جملة لا تفصيلاً، وقال الخطابي: ليس كل ما خفى علينا علمه لا يلزمنا حجته كأعداد المركعات، وأيام الصيام، ورمى الجمار، فأنا لا نصل من علمها إلى أمر يوجب حصرها تحت أعدادها، ولم يقدح ذلك في موجب اعتقادنا للزومها كما في قوله الهدى الصالح، الحديث، فإن تفصيل هذا العدد وحصر النبوة متعذر وإنما فيه أن هاتين الخصلتين من جملة هدى الأنبياء وسمتهم، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>