(٢) اختلفوا في الجمع بين ما ورد في التوكل وبين ما ورد في الأدوية والرقى، وجمع الحافظ في الفتح بينهما بأربعة أوجه فأرجع إليه لو شئت، وفي العالمكيرية: اعلم أن الأسباب المزيلة للضرر تنقسم إلى مقطوع به كالماء المزيل لضرر العطش والخبز المزيل لضرر الجوع، وإلى مظنون كالفصد والحجامة وشرب؟ ؟ ؟ سائر أبواب الطب، وإلى موهوم كالكي والرقية، أما المقطوع به فليس تركه من التوكل بل تركه حرام عند خوف الموت، وأما الموهوم فشرط التوكل تركه إذ به وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوكلين، وأما المتوسطة وهي المظنونة كالمداواة بالأسباب الظاهرة عند الأطباء ففعله ليس مناقضًا للتوكل بخلاف الموهوم، وتركه ليس محظورًا بخلاف المقطوع به بل قد يكون أفضل من فعله في بعض الأحوال وفي حق بعض الأشخاص فهو على درجة بين الدرجتين انتهى، وقال الغزالي في الأربعين: قد يظن الجهال أن شرط التوكل ترك الكسب وترك التداوي والاستسلام للمهلكات وذلك خطأ لأن ذلك حرام في الشرع، والشرع قد أثنى على التوكل وندب إليه، فكيف ينال ذلك بمحظوره، وتحقيقه أن سعى العبد لا يعدو أربعة أوجه. وهو جلب ما ليس بموجود من المنفعة، أو حفظ الموجود، أو دفع الضرر كي لا يحصل، أو قطعه كي يزول، الأول جلب النافع وأسبابه ثلاثة، إما مقطوع به، وإما مظنون ظنًا غالبًا ظاهرًا، أو موهوم، أما المقطوع به فمثاله أن لا يمتد اليد إلى الطعام وهو جائع، ويقول هذا سعي وأنا متوكل، أو يريد الولد ولا يواقع أهله، وهذا جهل لأن سنة الله تعالى لا تتغير وارتباط هذه المسببات بهذه الأسباب من السنة التي لا تجد لها تبديلاً، وإنما التوكل فيه بأمرين أحدهما أن تعلم أن اليد والطعام وقدرة التناول من قدرة الله، والثاني أن لا يتكل عليها بقلبه بل على خالقها، وكيف يتكل على اليد وربما يفلج في الحال أو يهلك الطعام وذلك تحقيق قولك لا حول ولا قوة إلا بالله، فالحول الحركة والقوة القدرة، فإذا كان هذا حالك فأنت متوكل وإن سعيت، وأما المظنون فكاستصحاب الزاد في البوادي والأسفار فليس تركه شرطًا في التوكل بل هي سنة الأولين، وأما الموهومات كالاستقصاء في حيل المعيشة واستنباط دقائق الأمور فيها وذلك ثمرة الحرص، وقد يحمل على أخذ الشبهة فكل ذلك ينافي التوكل، إلى آخر ما بسطه.