للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صوته، فكان مدحًا له حسن صوته لذلك.

[باب في فضل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه (١)].

قوله [لا تمس النار مسلمًا الخ] والموت على الإسلام شرط، وإلا لم يصدق عليه أنه مسلم، ووجه عدم المس مع أن وقوع المعاصي غير منكر، ما هم عليه من شدة مراقبة الله تعالى، فلا يتراخون في المتاب، أو رجحان (٢) الحسنات


(١) لعل المصنف أشار بهذا اللفظ إلى أن المراد بمن رأى هو الصحابي، لا مطلق الرائي، وإليه أشار الشيخ في تقريره إذ قال: والموت على الإسلام شرط، فإنهم اتفقوا على هذا الشرط في تعريف الصحابي، كما بسط أهل الفن سيما الحافظ في مبدأ الإصابة إذ قال: أصح ما وقفت عليه في تعريف الصحابي: هو من لقي النبي صل الله عليه وسلم مؤمنًا به، ومات على الإسلام، ثم بسط الكلام على ذلك.
(٢) وقد اشتهر قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا لما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، وإنفاقهم رضي الله عنهم بأقصى ما يمكنهم معلوم مشهور. وأجمل الحافظ الكلام على فضلهم في مبدأ الإصابة فقال: اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة، وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلًا نفيسا في ذلك فقال: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم، فمن ذلك قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ}، الآية، وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، الآية، وقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ}، الآية، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين}، وقوله تعالى: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ} - إلى قوله - إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم}، في آيات كثيرة يطول ذكرها، وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم، ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق، على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء ما ذكرنا لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد، ونصرة الإسلام وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأبناء، والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين، القطع على تعديلهم والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم، والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم، هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله، ثم قال: وقال أبو محمد بن حزم: الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعًا، قال الله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُون}، فان قلت: التقيد بالإنفاق والقتال يخرج من ليس كذلك، وكذلك التقييد بالإحسان في الآية السابقة، قلنا: إن التقييدات المذكورة خرجت مخرج الغالب، وإلا فالمراد من اتصف بالإنفاق والقتال بالفعل أو القوة، وروى البزار في مسنده بسند رجاله موثقون من حديث سعيد بن المسيب عن جار مرفوعًا: إن الله اختار أصحابي على الثقلين سوى النبيين والمرسلين، وروي عن سفيان يقول في قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ} هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، والأخبار في هذا كثيرة جدًا، فاقتصر على هذا القدر ففيه مقنع، انتهى مختصرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>