(١) قال الحافظ: هي ما يراه الشخص في منامه، وهي على وزن ((فعلي)) وقد تسهل الهمزة، وقال الواحدي: هي في الأصل مصدر كاليسرى، فلما جعلت اسمًا لما يتخيله النائم أجريت مجرى الأسماء، وقال الراغب: الرؤية بالهاء إدراك المرء بحاسة البصر، وتطلق على ما يدرك بالتخيل نحو أرى أن زيدًا مسافرًا، وعلى التفكر النظري نحو إني أرى ما لا ترون، وعلى الرأي، وهو اعتقاد أحد النقيضين على غلبة الظن، وقال القرطبي في المفهم قال بعض العلماء: وقد تجئ الرؤيا بمعنى الرؤية كقوله تعالى {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} فزعم أن المراد بها ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء من العجائب، وكان الإسراء جميعه في اليقظة، وعكسه بعضهم فزعم أنه حجة لمن قال: إن الإسراء كان منامًا، والمعتمد الأول، وقد تقدم في تفسير الإسراء قول ابن عباس إنها رؤيا عين، قال ابن العربي: الرؤيا إدراكات علقها الله تعالى في قلب العبد على يدي ملك أو شيطان، إما بأسمائها أي حقيقتها، وإما بكناها أي عبارتها، وإما تخليط ونظيرها في اليقظة الخواطر فإنها قد تأتي على نسق في قصد، وقد تأتي مترسلة غير محصلة، وقال أبو بكر بن الطيب: إنها اعتقادات لما أن الرائي قد يرى نفسه بهيمة مثلاً، وليس هذا إدراكًا فوجب أن يكون اعتقادًا، لأن الاعتقاد قد يكون على خلاف المعتقد، قال ابن العربي: والأول أولى وما ذكره ابن الطيب من قبيل المثل فالإدراك إنما يتعلق به لا بأصل الذات، وقال المازري: كثر كلام الناس في حقيقة الرؤيا، وقال فيها غير الإسلاميين أقاويل كثيرة منكرة لأنهم حاولوا الوقوف على حقائق لا تدرك بالعقل ولا يقوم عليه برهان، وهم لا يصدقون بالسمع فاضطربت أقوالهم، فمن ينتمي إلى الطب ينسب جميع الرؤيا إلى الأخلاط فيقول: من غلب عليه البلغم رأى أنه يسبح في الماء ونحو ذلك لمناسبة الماء طبيعة البلغم، ومن غلبت عليه الصفراء رأى النيران والصعود في الجو وهكذا إلى آخره، وهذا وإن جوزه العقل لكنه لم يقم عليه دليل ولا اطردت به عادة، والقطع في موضع التجويز غلط، ومن ينتمي إلى الفلسفة يقول: إن صور ما يجرى في الأرض هي في العالم العلوي كالنقوش فما حاذى بعض النقوش منها انتقش فيها، قال: وهذا أشد فسادًا من الأول لكونه تحكمًا لا برهان عليه، والانتقاش من صفات الأجسام، وأكثر ما يجرى في العالم العلوي الأعراض والأعراض لا ينتقش فيها، قال: والصحيح ما عليه أهل السنة أن الله يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان، وتلك الاعتقادات تقع تارة بحضرة الملك، فيقع بعدها ما يسر أو بحضرة الشيطان فيقع بعدها ما يضر، والعلم عند الله، ونقل القرطبي عن بعض أهل العلم أن لله ملكًا يعرض المرئيات على المحل المدرك من النائم فيمثل له صورة محسوسة فتارة تكون أمثلة موافقة لما يقع في الوجود، وتارة تكون أمثلة لمعان معقولة، وتكون في الحالين مبشرة ومنذرة، وقيل: إن الرؤيا إدراك أمثلة منضبطة في التخيل جعلها الله أعلامًا على ما كان وما يكون إلى آخر ما بسطه الحافظ.