للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفضلون على الفقراء بجهات (١) أخرى، فلم يترك (٢) النبي صلى الله عليه وسلم هذه أيضًا وهو محرز فضل الغنى أيضًا.

[باب ما جاء في معيشة النبي صلى الله عليه وسلم]

أراد بيان إجابة دعائه الذي دعا بها من


(١) من كثرة ثواب الصدقات والصلات والأوقاف وبناء المساجد والمدارس وغيرها.
(٢) يعني أن سيد الكونين وسيد البشر وسيد الأنبياء كما كان محرزًا لفضيلة الفقر كذلك لم يترك فضائل الغنى من الشكر والسماحة، والصلة والبر، وغيرها، كما لا يخفى على من طالع السير، قال صاحب الشفاء: لا يوازي في هذه الأوصاف ولا يباري بهذا وصفه كل من عرفه، وروى عن جابر يقول: ما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فقال لا، وعن ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود بالناس بالخير، وأجود ما كان في شهر رمضان، الحديث مشهور، وقد قال له ورقة بن نوفل قبل البعثة: إنك تحمل الكل، وتكسب المعدوم، وجاءه رجل فسأله فقال: ما عندي شيء ولكن ابتع علي فإذا جاءنا شيء قضيناه، فقال له عمر: ما كلفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال له رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وعرف البشر في وجهه، وعن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئًا لغد، وغير ذلك من الروايات الكثيرة الشهيرة التي لا يمكن إحصاؤها، قال المناوي: وقد جمع الله لحبيبه بين مقام الفقير الصابر والغني الشاكر على أتم الوجوه، فكان سيد الفقراء الصابرين والأغنياء الشاكرين، فحصل له من الصبر على الفقر ما لم يحصل لأحد سواه، ومن الشكر على الغنى ما لم يقدر عليه غيره، فكان أصبر الخلق في مواطن الصبر، وأشكر الخلق في مواطن الشكر، وربه تقدس كمل له مراتب الكمال، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>