(٢) ويوضح ذلك ما في الجمل إذ قال: في الآية ثلاثة أقوال: منها ما روى الكلبي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق وليس في يده سعة، فقالت الأنصار: إن هذا الرجل هداكم وهو ابن أختكم وجاركم في بلدكم فأجمعوا له طائفة من أموالكم، ففعلوا ثم أتوه بها فردها عليهم، ونزل قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} الآية، أي إلا أن تودوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم، قال سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب، انتهى. والحديث أخرجه البخاري من طريق طاوس عن ابن عباس أنه سأل عن قوله: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عباس: عجلت، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة، قال الحافظ: وهذا الذي جزم به سعيد بن جبير قد جاء عنه من روايته عن ابن عباس مرفوعًا وإسناده ضعيف، وهو ساقط لمخالفته هذا الحديث الصحيح، والمعنى: إلا أن تودوني لقرابتي فتحفظوني، والخطاب لقريش خاصة، والقربى قرابة العصوبة والرحم، فكأنه قال: احفظوني للقرابة إن لم تتبعوني للنبوة، انتهى. ثم قال الحافظ: والحاصل أن سعيد بن جبير ومن وافقه حملوا الآية على أمر المخاطبين بأن يواددوا أقارب النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عباس حملها على أن يواددوا النبي صلى الله عليه وسلم من أجل القرابة التي بينهم وبينه، فعلى الأول الخطاب عام لجميع المكلفين، وعلى الثاني الخطاب خاص بقريش، انتهى، ثم لا يذهب عليك أن ما في النسخ الهندية من قوله: قال ابن عباس: أعلمت، تحريف من الناسخ، والصواب ما في المصرية من قوله: أعجلت، ويؤيده ما تقدم من لفظ البخاري عجلت، وهكذا بلفظ عجلت ذكره السيوطي في الدر برواية الشيخين والترمذي وغيرهم، وهكذا في جمع الفوائد برواية البخاري والترمذي.