للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب الحب في الله]

قوله [يغبطهم النبيون والشهداء] ليس المراد بذلك ما فهمه المحشى وبينه (١)، بل المراد أنهم كانوا اغتبطوا بها لو لم تكن عندهم ولكن لما كانوا قد حصلوا تلك المرتبة لم يغبطوا، وحاصل ذلك أن هذه الفضيلة بحيث لو فرض عدمها للأنبياء لطمعوا فيها لعظمها ولكنهم كانوا قد حصلوها، والمحوج إلى هذا التوجيه أن الحب في الله الموجب للمزبة المذكورة في الأنبياء بأعلى المراتب، فكيف يجترأ على القول بأنهم لم يحصلوها.

قوله [إمام عادل} ووجه ذلك أن العدل إذا لم يخف عمن هو فوقه مشكل.


(١) ولفظه: اعلم أن كل ما يتحلى به الإنسان من علم أو عمل، فإن له عند الله منزلة لا يشارك فيها أحد ممن لم يتصف بذلك، وإن كان له من نوع آخر ما هو أرفع قدارًا وأعلى شأنًا، فربما يغبط ويتمنى ويحب أن يكون مثل ذلك مضمومًا إلى ما له من المراتب الرفيعة والمنازل الشريفة، فلا يلزم حينئذ تفضيلهم على الأنبياء والشهداء، بل يظهر بذلك حسن حالهم في هذه الخصلة، انتهى قلت: هذا الكلام مأخوذ من القاري إلا قوله: فلا يلزم حينئذٍ إلى آخره، زاد القاري بعد قوله: المنازل الشريفة، فإن الأنبياء قد استغرقوا فيما هو أعلى من ذلك من دعوة الخلق وإظهار الحق، وإعلاء الدين وإرشاد العامة، إلى غير ذلك من كليات أشغلتهم عن العكوف على مثل هذه الجزئيات، والشهداء وإن نالوا رتبة الشهادة فلعلهم لم يعاملوا مع الله معاملة هؤلاء، فإذا رأوهم يوم القيامة ودوا لو كانوا ضامنين خصالهم هذا، والظاهر أنه لم يقصد في ذلك إلى إثبات الغبطة لهم على حال هؤلاء، بل بيان فضلهم وعلو شأنهم، والمعنى أن حالهم عند الله بمثابة لو غبط النبيون والشهداء مع جلالة قدرهم لغبطوه، وقال الطيبي: يمكن أن تحمل الغبطة ههنا على استحسان الأمر، كأن الأنبياء والشهداء يحمدون إليهم فعلهم، إلى آخر ما بسطه القاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>