قوله [فقام حيال رأسه] وقوله [فقام حيال وسط السرير] هذا ما قال به الشافعي: إن الإمام يقوم من المرأة في وسط السرير، ومن الرجل حيال رأسه، أي بحيث يحاذي صدره ورأسه، ولنا أن قيام النبي صلى الله عليه وسلم من المرأة بحيال نصف السرير، لم يكن إلا لأن في ذلك الزمان لم تكن لجنائزهن (١) نعوش فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يسترها عن أعين الرجال، فلما ارتفعت العلة برواج النعش وكن شقائق الرجال وتوابعهم في سائر الأحكام، كان قيام الإمام في جنائزهن كقيامه في جنائزهم، وأول نعش، نعش للمرأة في العرب نعش فاطمة رضي الله عنها، وكانت لم تضحك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مدة حياتها، لما بها من الكآبة والحزن بذلك وكانت تتفكر في أمر جنازتها كيف تراها الرجال، وكيف يمكنني أن ينظروا إلى جثماني ويقتدروا قدر شخصي، فذكرت همها ذلك لنسائها فقالت امرأة منهن، وقد كانت ذهبت إلى حبشة أني رأيت ثمة نعشًا يضعون على جنائز نسائهم فوصفته لها، ففرحت بذلك حتى ضحكت، فصنع بجنازتها مثل ما وصفت، وما ورد من القيام بحذاء الرأس والصدر، فالمراد أنه يقوم بحيث يحاذيهما جميعًا حتى تجتمع الآثار، وقوله في الحديث الآتي صلى على امرأة فقام وسطها، إن كان بسكون السين، فظاهر أنه يطلق من الرأس إلى القدم، وإن كان بفتح السين حتى يراد به الوسط الحقيقي فبعد أنه لا دليل عليه يجاب عنه بأن الوسط من الإنسان هو الصدر لا غير لأن أطراف الإنسان غير محسوبة
(١) وهو مصرح في رواية أبي داود قال أبو غالب فسألت عن صنيع أنس في قيامه على المرأة عند عجيزتها فحدثوني أنه إنما كان لأنه لم تكن النعوش فكان الإمام يقوم حيال عجيزتها يسترها من القوم، قال شيخنا في البذل: وهذا يدل على أن قيام الإمام حيال عجيزة المرأة على خلاف الأصل للتستر فقط، انتهى، قلت: وعلم منه أيضًا أنه كان خلاف المعروف، ولذا سأل أبو غالب عن صنيع أنس.