للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنه أولى منهم وأعلى، وليس فيه مزية على أبي بكر لأنه وافق ربه في أمور لم يوافقه النبي صلى الله عليه وسلم، كالحجاب وترك الصلاة على المنافقين وأمثال ذلك، فكما لا يلزم المزية عليه صلى الله عليه وسلم كذلك لا يلزم مزيته على أبي بكر، والأصل إن التفوق فيما ليس بمقصود ليس بكثير شيء وإن لم ينكر فضيلته.

[مناقب عثمان]

.

قوله [ما على عثمان ما عمل بعد هذه] أي لا يضره (١) ذنبه، أو لا يضره ترك الخيرات. قوله [أنشدكم بالله والإسلام] أي أذكركم (٢) وأسألكم،


(١) فما الأولى نافية بمعنى ليس، والثانية موصولة أو نافية، قال القاري: أي ليس عليه ولا يضره الذي يعمل في جميع عمره بعد هذه الحسنة، والمعنى أنها مكفرة لذنوبه الماضية مع زيادة سيآته الآنية، وفيه إشارة إلى بشارة له بحسن الخاتمة. وقال الشارح: ما أي الثانية إما موصولة أي ما بأس عليه الذي عمل من الذنوب بعد هذه العطايا، أو مصدرية أي ما على عثمان عمل من النوافل بعد هذه العطايا، لأن تلك الحسنة تنوب عن جميع النوافل، انتهى.
(٢) كان يذكرهم وينشدهم تنبيهًا لهم على أنه مظلوم في ذلك الذي فعلوه، وأحقهم بالماء وغيره الذي منعوه، وقد كتب في الإرشاد الرضي في مبدأ كتاب الفتن تقريرًا بالإجمال ذكر فيه سبب حصار عثمان، وهو مبدأ الفتن بين الصحابة، وها أنا أعربه لك مختصرًا فإنه كالعنوان لهذه المشاجرات المعروفة بين الصحابة، فقال: يوم الدار عبارة عن الأيام التي حصر فيها عثمان في بيته، وكان سبب ذلك أن عثمان كان يؤثر أقاربه في الولايات، وكان الباعث له على ذلك كثرة حيائه فلا يقدر رد ما ألحوا عليه، وكان عمر يتجنب عن ذلك نظرًا في العاقبة، فكان من جملة ذلك أن عثمان أمر على مصر أخاه لأمه وليد بن عقبة، فقد ظلم وتعدى، فقد شكاه أهل مصر إلى عثمان، فدعا عثمان وليدًا لكن لم يثبت عليه شيء بالبينة، فاستدعى وليد العود إلى مصر، فقيل عثمان إصراره في ذلك حياء منه، فلما رجع أكثر في الظلم والعدوان حتى ساءت ظنون المصريين بعثمان أيضًا، قلت: وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء: إن ذلك أول ما نقم عليه، قال الشيخ: ووقع قصة أخرى وهي أن عائشة أرسلت محمد بن أبي بكر إلى عثمان ليستعمله على موضع، وكتبت له في ذلك، فأمر عثمان لكاتبه مروان أن يكتب له الولاية، فكتب الكتابة وفيها: إذا جاءكم محمد بن أبي بكر فاقتلوه، ولم يعجم الباء في ذلك، ولم يلتفت إلى ذلك عثمان، لأن مروان كان أمينًا عنده، وأراد محمد بن أبي بكر وجماعته أن ينظروا الكتاب بعد ما ساروا من المدينة، فإذا فيه الأمر بالقتل، فتعاظموا ذلك، وكانوا مترددين في أن ذلك من عثمان لمكان الخاتم عليه، أو من كاتبه، وكان هناك يودي قعد من مثالب عثمان أمورًا فظنوا هذا أيضًا من فعله، فرجع محمد بن أبي بكر إلى المدينة، واجتمع مع من خرج عليه من أهل مصر، فلما رأى الصحابة اشتداد المخالفين أشاروا على عثمان أن لا يخرج من بيته خوفًا عليه، وحاصر المخالفون بيته، فأراد ناصروه من الصحابة ومماليكه القتال، فمنعهم عثمان وقال: لا أرضى من أن يسفك دم لأجلي، فتسور محمد بن أبي بكر الجدار وأخذ بلحية عثمان، فقال: لو رآك أبوك لساءه، فتراخت يده، ودخل الرجلان عليه فتوخياه حتى قتلاه، إلى آخر ما بسطه.

<<  <  ج: ص:  >  >>