الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وخاتم النبيين، وسيد الأولين والآخرين محمد وآله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد! فإن علم الحديث -بجميع فروعه وأقسامه وما يتصل به اتصالاً قريبًا أو بعيدًا- من العلوم التي نضجت واحترقت. كما قال بعض حذاق العلماء والمؤرخين، وصيارفة العلوم والفنون، ولم يدع المشتغلون بهذه الصناعة في القوس منزعًا، وهبت على الصحاح الستة التي عليها الاعتماد في صناعة الحديث نفحة من نفحات الخلود والقبول، اللذين خص الله بهما نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وأعلن عن ذلك بقوله:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} لاختصاص هذه الكتب بأخباره وأقواله، وأحواله وآثاره - صلى الله عليه وسلم -، ولشدة إخلاص جامعيها في عملهم، وجهادهم الأكبر في ذلك، وعلو همتهم ودقة نظرهم، وإيثارهم هذا المقصد الأسنى على كل ما يعز ويلذ، ويشغل ويستهوى، وتجردهم له تجردًا يندر نظيره في تاريخ العلوم والفنون، وفي تاريخ المنقطعين والمتجردين، من العلماء والزاهدين، والمتبتلين المجاهدين.
وسرى نور هذا العمل الخالص، والحياة المباركة التي يدور حولها، وينبع عنها هذا العلم الشريف، وهذه المكتبة الفذة، فأشرقت الأرض بنور ربها، وأضاء كل جانب من جوانب هذه المكتبة، وتناول أئمة كل عصر، ونوابغ كل بلد كل