(٢) يعني لم يقصد فيه معنى الجمعية، فلا يراد منه السنن التي اتفقت وأجمعت عليه الخلفاء كلهم، بل المراد سنتهم ولو سنة أحد منهم أيًا من كان، ثم قال القاري: هم الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم أجمعين لأنهم أفضل الصحابة، وواظبوا على استمطار الرحمة من السحابة النبوية، وخصهم الله عز وجل بالمراتب العلية، أنعم الله عليهم بمنصب الخلافة العظمى والتصدي إلى الرياسة الكبرى، لإشاعة الدين وإعلاء أعلام الشرع المتين، فخلف الصديق بإجماع الصحابة سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام، لحلمه ووقاره، وسلامة نفسه ولين جانبه، والناس متحيرون والأمر غير ثابت، فحمى بيضة الدين ورفع غوائل المرتدين، وجمع القرآن وفتح بعض البلدان، ثم استخلف الفاروق لأن الأمر مستقر، والقوم مطيع والفتن ساكنة، فرفع رايات الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وفتح أكثر أقاليم الأرض لأنه كان في غاية الصلابة، ومتانة الرأي وحسن التدبير، وخلافته عشر سنين وستة أشهر وعشر ليال، ثم بويع لعثمان لشوكة أقاربه وبسط أيدي بني أمية في حكومة الأطراف، فلو نصب غيره لوقع الخلاف، فأظهر في مدة اثنتي عشرة سنة مساعي جميلة، وجمع الناس على مصحف واحد، ثم بويع بعده لعلي لأنه أفضل الصحابة بعدهم، وقال التوربشتي: أما ذكر سنتهم في مقابلة سنته لأنه علم أنهم لا يخطئون فيما يستخرجون من سنته، أو أن بعضها ما اشتهر إلا في زمانهم، وليس المراد انتفاء الخلافة عن غيرهم حتى ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: يكون في أمتي اثنا عشر خليفة، بل المراد تصويب رأيهم وتفخيم أمرهم، وقيل: هم ومن على سيرتهم من أئمة الإسلام المجتهدين في الأحكام، فإنهم خلفاء الرسول في إرشاد الخلق، وإعلاء الدين، انتهى.