للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان مثل هذا التكليف جائزاً غير واقع، ثم قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وسْعَهَا} على هذا التقدير تفسير وبيان لما أراده في قوله: {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ}، وليس تحقيقًا مسقطًا لحكم آخر، وقوله (١): {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إلَيْهِ} مدح لهم على الائتمار والامتثال مع ما علموا أن القيام به شديد، هذا ما ظهر لي في ما يتعلق بالمرام، ولا أدري أصحيح هو أم فيه سقام.

[من سورة آل عمران]

قوله [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الذين إلخ] يعني أنه فسر الآية أولاً وبين معانيها (٢)، ثم قال ذلك، لا أنه اقتصر في الجواب عنها على هذا القدر


(١) ففي البحر المحيط عن ابن عطية: سبب نزول الآية أنه لما نزل {وإن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ} الآية أشفقوا منها، ثم تقرر الأمر على أن قالوا: سمعنا وأطعنا، فرجعوا إلى التضرع والاستكانة، فمدحهم الله وأثنى عليهم، وقدم ذلك بين يدي رفقه بهم، وكشفه لذلك الكرب الذي أوجبه تأولهم، فجمع لهم تعالى التشريف بالمدح والثناء، ورفع المشقة في أمر الخواطر، وهذه ثمرة الطاعة والانقطاع إلى الله تعالى، كما جرى لبني إسرائيل ضد ذلك، وتحميلهم المشقات من الذلة، والمسكنة، والجلاء، إذ قالوا: سمعنا وعصينا، وهذه ثمرة العصيان والتمرد، أعاذنا الله عز وجل من نقمه، انتهى.
(٢) لعل المراد ما في الدر عن ابن عباس قال: المحكمات ناسخه وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه وما يؤمن به، والمتشابهات منسوخه ومقدمه ومؤخره، وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به، ولا يعمل به، وغير ذلك من الآثار، وقال الطبري: قيل إن هذه الآية نزلت في الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر عيسى، وقيل: في أمر مدة هذه الأمة، والثاني أولى لأن أمر عيسى قد بينه الله لنبيه فهو معلوم لأمته، بخلاف أمر هذه الأمة فإن علمه خفى عن العباد، وقال غيره: المحكم من القرآن ما وضح معناه، والمتشابه نقيضه، وقيل: المحكم ما عرف المراد إما بالظهور وإما بالتأويل، والمتشابه ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة، وخروج الدجال، والحروف المقطعة في أوائل السور، وقيل في تفسير المحكم والمتشابه أقوال أخر غير هذه نحو العشرة، كذا في الفتح، قال الحافظ: ما ذكرته أشهرها وأقربها إلى الصواب، وذكر الأستاذ أبو منصور أن الأخير هو الصحيح عندنا، وابن السمعاني أنه أحسن الأقوال، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>