للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتعدية المرض (١) باقية بعد فنهاهم عن النزول ثمة سدًا لباب الوسوسة فإن الله هو الفاعل الحقيقي وتلك أسباب، قوله [من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه] هذا ظاهر إلا أن عائشة تلك الفقيهة المحسنة إلى أبناء المؤمنين الموفقة للتنقير في مسائل الدين لما علمت أن سبب الوصول إلى المحبوب محبوب لا محالة والموصل إلى المكروه مكروه لا محالة ولا ريب أن أكثر المؤمنين بل جلهم لا يحبون الموت فخافت أن يكونوا كرهوا لقاء الله فسألت عن ذلك وقالت يا رسول الله كلنا يكره الموت ولا سبب لكراهية الموت إلا كراهة ما هو موصل إليه فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بما حاصله أن كل مؤمن ففيه حصة من حب الله وحب رسوله بقدر قوة إيمانه وشدة إبقائه إلا أنه مغمور بما اكتنف الأناسي من الضرورات الإنسانية والشهوات الطبيعية الحيوانية ولا يضر ذلك في إيمانه فإن مقتضى البشرية لا يتخلف عن البشر وليس له غنى عن جميع ذلك مادام لابسًا حلة الجسمية والبشرية مأسورًا في أيدي الحوائج البهيمية الكدرية وأما إذا انقطعت حبائل وسائلها ونزع ما لبسه من قمصها وغلائلها فحينئذ يظهر من حظ الحب ما كان مكنونًا وينفك ما كان في أيدي الشهوات مرهونًا فلذلك ترى النبي صلى الله عليه وسلم جعل ملاك الأمر ما يظهر في الخاتمة وإن كان سبب ظهوره هو الذي كان له من قبل حاصلاً ولم يبين علامة يجدونها في أنفسهم الآن قبل التغرغر لئلا ييئسوا من رحمته سبحانه بل أحال الأمر على آخر وقت إذ لا التباس فيه أصلاً لأنه حينئذ يكون على ثقة من أنه لم يبق له إلى أحد ممن على الأرض حاجة فلا يبقى له اشتغال بأحد منهم ولا بشيء من أمورهم لأن تفكره فيهم إنما كان لأن ضروراته في تمدنه متعلقة بهم ولا ينافيه أيضًا ما يكون لأحد منهم تعلق بأحد من أولاده وأهله فإن حظًا من البشرية باق بعد.

[باب فيمن يقتل نفسه (٢) لم يصل عليه] قوله [فقال بعضهم يصلي على


(١) وتقدم الكلام على العدوي قريبًا في باب ما جاء في كراهية النوح.
(٢) وفي الدر المختار هي (أي صلاة الجنازة) فرض على كل مسلم مات خلا بغاة وقطاع طريق إذا قتلوا في الحرب وكذا أهل عصبة ومكابر في مصر ليلاً بسلاح وخناق ومن قتل نفسه ولو عمدًا يغسل ويصلي عليه به يفتي وإن كان أعظم وزرًا من قاتل غيره ورجح الكمال قول الثاني (أي أبي يوسف) انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>