للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقدوراً.

[من سورة يونس]

.

قوله [ينجينا من النار] غلط من الكتاب والصحيح حذف الياء (١) بأعمال لم. قوله [مخافة أن تدركه الرحمة إلخ] (٢).


(١) وهو كذلك في النسخة المصرية بحذف الياء لكن فيها كلتا الصيغتين بتاء الخطاب، وكذلك في المشكاة برواية مسلم ولفظها: إذا دخل أهل الجنة يقول الله تعال: ترتدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال القاري: بتشديد الجيم ويخفف، أي ألأم تخلصنا من النار، انتهى. قلت: لكن الصواب في رواية الترمذي بصيغة الغائب، لأن الخطاب فيها بواسطة المنادي بخلاف رواية مسلم.
(٢) بياض في الأصل بعد ذلك، ولعل الشيخ أراد تحرير البحثين الطويلين المعروفين في هذا الحديث فلم يتفق له، أجمل الكلام على أحدهما الرازي، وعلى الثاني صاحب الخازن، وها أنا ألخص لك كلامهما تكميلا للفائدة، أما الأول فقد قال الرازي: هاهنا سؤالان: الأول أن الإنسان إذا وقع في الغرق لا يمكنه أن يتلفظ بهذا اللفظ، فكيف حكى الله عنه أنه ذكر ذلك؟ والجواب من وجهين: الأول أن مذهبنا أن الكلام الحقيقي هو كلام النفس لا كلام اللسان، فهو إنما ذكر هذا الكلام بالنفس لا باللسان. الثاني أن يكون المراد بالغرق مقدماته. السؤال الثاني أنه آمن ثلاث مرات: أولها قوله: آمنت، والثاني لا إله إلا الله، والثالث أنا من المسلمين، فما السبب بعدم القبول؟ والله تعالى متعال عن أن يلحقه غيظ وحقد، حتى يقال: غنه لأجل ذلك الحقد لم يقبل، وأجاب عنه العلماء بوجوه: الأول أنه إنما آمن عند نزول العذاب، ولا يقبل الإيمان في هذا الوقت، قال تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ}. الثاني أنه إنما ذكر هذه الكلمة ليتوسل بها إلى دفع البلاء، فما كان مقصوده بهذه الكلمة الإقرار بالربوبية قلت: وكان دأبهم كذلك، قال تعالى: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ {الآية. {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} الآية. {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} الآية الثالث أن الإقرار كان بمحض التقليد، ألا ترى أنه قال: {إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ} وهو كان من الدهرية، كما حققنا في سورة طه، وكان من المنكرين لوجود الصانع، ومثل هذا الاعتقاد الفاحش لا تزول ظلمته إلا بنور الحجج القطعية، والتقليد المحض لا يفيده. الرابع ما في بعض الكتب أن بعض أقوام بني إسرائيل لما جاوزوا البحر اشتغلوا بعبادة العجل، فلما قال: {إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ} انصرف ذلك إلى العجل. الخامس أن اليهود كانت قلوبهم إلى التشبيه والتجسيم، ولذا اشتغلوا بعبادة العجل لظنهم أنه تعالى حل في جسده، فلما كان كذلك وقال هو: {إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ} فكأنه آمن بالإله الموصوف بالجسمية. السادس الإيمان إنما يتم بالإقرار بالنبوة، وهاهنا لم يقر بنبوة موسى عليه السلام. السابع ما في الكشاف أن جبرئيل أتى فرعون يفتيا فيها: ما قول الأمير في عبد نشأ في مال مولاه ونعمته، فكفر نعمته وجحد حقه، وأدعى السيادة دونه؟ فكتب فرعون فيها: يقول أبو العباس الوالدين بن مصعب: جزاء العبد الخارج على سيده الكافر بنعمته أن يغرق، ثم إن فرعون لما أغرق رفع جبرئيل عليه السلام عليه فتياه، انتهى. قلت: والأوجه عندي في الأجوبة الثلاثة الأولى بالترتيب والسادس. وأما البحث الثاني فهو ما أورد الرازي على حديث الباب، وقال: لا يصح ما نسب إلى جبرئيل، وتكلم الخازم أولا على طرق الحديث وأثبت واحداً منها على شرط البخاري، والثاني على شرط مسلم، ثم ذكر إشكال الرازي بأنه في تلك الحالة إما أن يقال: التكليف ثابت أولا، فان كان ثابتاً لا يجوز لجبرئيل عليه السلام أن يمنعه من التوبة، بل يجب عليه أن يعينه عليها وعلى كل طاعة، وإن كان التكليف زائلا عن فرعون في ذاك الوقت، فلا يبقى لهذا الذي نسب إلى جبرئيل فائدة، وأيضاً لو منعه من التوبة لكان قد رضي ببقائه على الكفر، والرضا بالكفر كفر، وأيضاً فكيف يليق بجلال الله أن يأمر جبرئيل بأن يمنعه من الإيمان، ولو قيل: إن جبرئيل فعل ذلك من عند نفسه لا بأمر الله فهذا ببطله قول جبرئيل: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} الآية. فهذا وجه الإشكال الذي أورده الرازي بكلام أكثر من هذا، والجواب أن الحديث قد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا اعتراض لأحد، وأما قوله: التكليف هل كان ثابتاً أم لا؟ فإن كان ثابتاً لم يجز لجبرئيل أن يمنعه، فإن هذا القول لا يستقيم على أصل المثبتين للقدر القائلين بخلق الأفعال لله، وأن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وهذا قول أهل السنة المثبتين للقدر، فانهم يقولون: إن الله يحول بين الكافر والإيمان لقوله تعالى: {اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} ولقوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ} ولقوله تعالى {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} فيكون فعله بفرعون جزاء على تركه الإيمان أول مرة، فدس العلين من جنس الطبع والختم على القلب، هذا قول المثبتين القدر، ومن المنكرين لخلق الأفعال من اعتراف أيضاً أن الله سبحانه وتعالى يفعل هذا عقوبة للعبد على كفره، وأما قوله: لم يجز لجبرئيل أن يمنعه، بل يجب عليه أن يعينه، هذا إذا كان تكليفه كتكلفينا، وأما إذا كان جبرئيل= =فعل ما أمر، والله سبحانه هو الآمر بذلك، فكيف لا يجوز له، وأما قوله: إن كان التكليف زائلا فلا فائدة، فالجواب أن للناس في تعليل أفعال الله تعالى قولين: أحداهما لا تعلل، فلا يرد هذا السؤال، والثاني أن لها غايات بحسب المصالح، فالجواب أن جبرئيل لما علم أن إيمانه لا ينفع لتحقق معانته الموت دس التراب تحقيقاً لهذا المنع، والفائدة فيه تعجيل ما قد قضى عليه وسد الباب عنه شداً محكماً، إلى آخر ما بسطه.

<<  <  ج: ص:  >  >>