للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خصال النبي وكمال من كماله.

قوله [يراها المسلم أو ترى له] أما الأول فكأن يرى نفسه في خير أو غيره ففي ذلك فضل لمن رآه ظاهر، وأما للرائي ففضل أيضًا لكونه قد رأى خيرًا، وإن رأى لآخر، وأما الثاني أي ترى له ففيه فضل ظاهر لمن رآه الرائي في خير، وأما الرائي فله في ذلك بشارة أيضًا.

[باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: من رآني في المنام (١) إلخ] ذهب المتقدمون إلى أن ذلك حيث


(١) اختلفت الروايات في هذا الحديث، ولفظ حديث الباب: من رآني في المنام فقد رآني، وفي روايات: فقد رأى الحق، وفي أخرى فسيراني، وبسط الحافظ الكلام على هذا الحديث، وذكر للسياق الثالث ستة معان، وقال النووي: اختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: فقد رآني فقال ابن الباقلاني: معناه أن رؤياه صحيحة ليست بأضغاث، ولا من تشبيهات الشيطان، ويؤيده قوله: فقد رأى الحق أي الرؤية الصحيحة، قال: وقد يراه الرائي خلاف صفته المعروفة كمن رأه أبيض اللحمة، وقد يراه شخصان في زمن واحد أحدهما في المشرق والآخر في المغرب، ويراه كل منهما في مكانه، وحكى المازري هذا عن ابن الباقلاني، ثم قال: وقال آخرون: بل الحديث على ظاهره والمراد من رآه فقد أدركه، ولا مانع يمنع من ذلك، والعقل لا يحيله حتى يضطر إلى صرفه عن ظاهره، فأما قوله: بأنه قد يرى على خلاف صفته أو في مكانين معًا، فإن ذلك غلط في صفاته، وتخيل لها على خلاف ما هي عليه، وقد يظن الظان بعض الخيالات مرئيًا لكون ما يتخيل مرتبطًا بما يرى في العادة فتكون ذاته مرئية، وصفاته متخيلة غير مرئية، والإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار ولا قرب المسافة، ولا كون المرئي مدفونًا في الأرض، ولا ظاهرًا عليها، وإنما يشترط كونه موجودًا، ولم يقم دليل على فناء جسمه صلى الله عليه وسلم، بل جاء في الحديث ما يقتضي بقاءه قال: ولو رآه يأمر بقتل من يحرم قتله كان هذا من الصفات المتخيلة لا المرئية، هذا كلام المازري، وقال القاضي: ويحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم: فقد رآني إذا رآه على صفته المعروفة له في حياته، فإن رأى على خلافها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة، وهذا الذي قاله القاضي ضعيف، بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها، كما ذكره المازري، انتهى كلام النووي، وقال القارئ: فكأنه قد رآني في عالم الشهود، ولكن لا يبتني عليه الأحكام لبصير به من الصحابة، وليعمل بما سمع به في تلك الحالة، كما هو مقرر في محله، وقيل: أراد به أهل زمانه، أي من رآني في المنام يوفقه الله تعالى لرؤيتي في اليقظة إما في الدنيا أو في الآخرة، ويدل عليه رواية: فسيراني، ولعل التعبير بصيغة الماضي تنزيلاً للمستقبل منزلة المحقق الواقع في الحال، وإن كان يقع في المآل، وقيل: يراه في الآخرة على وفق منامه بحسب مقامه، وقيل: هو بمعنى الإخبار أي من رآني في المنام فأخبروه بأن رؤيته حقيقة ليست بأضغاث أحلام، انتهى. وقد أخرج البخاري عن ابن سيرين قال: إذا رآه في صورته، قال الحافظ: روينا هذا التعليق موصولاً عن أيوب قال: كان محمد يعني ابن سيرين إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: صف لي الذي رأيته، فإن وصف له صفة لا يعرفها قال: لم تره، وسنده صحيح، ويؤيده ما أخرج الحاكم من طريق عاصم بن كليب حدثني أبي قلت لابن عباس: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قال: صفه لي قال: ذكرت الحسن بن علي فشبهته قال: قد رأيته، وسنده جيد، ويعارضه ما أخرجه ابن أبي عاصم عن أبي هريرة مرفوعًا: من رآني في المنام فقد رآني فإني أرى في كل صورة، وفي سنده صالح مولى التوأمه وهو ضعيف لاختلاطه، وهو من رواية من سمع منه بعد الاختلاط، ويمكن الجمع بينهما بما قال ابن العربي: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم على صفته المعلومة إدراك على الحقيقة، ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال، إلى آخر ما بسطه الحافظ في الفتح بما لا مزيد عليه، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>