[باب قوله صلى الله عليه وسلم: اللحد لنا والشق لغيرن ا] المراد بضمير الجمع معشر الأنبياء، فالمراد أن الأنبياء ليس لهم إلا اللحد ولغيرهم يجوز الأمران، وإن كان الأولى لهم هو اللحد لا الشق وفيه بعد لأنه يتوقف على أن أحدًا من الأنبياء لم يدفن إلا في اللحد ولأنه لو كان مراده ذلك لما اختلفوا في أن النبي صلى الله عليه وسلم أي الأمرين له ينبغي أن يفعل حتى اتفقوا على أن من أتى من اللاحد والشاق (١) أولاً فعل فعله، أو المعنى بضمير الجمع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع أمته يعني أن اللحد هو المختار لنا والأليق بنا معشر المسلمين، والشق يختاره غيرنا من أصحاب الملل الأخر لاختيارهم السهولة في هذه الأمور، وليس لهم حرص في اكتساب الفضائل، وإن كان الجائز لنا معشر المسلمين الشق أيضًا مع كونه خلاف الأولى، وعلى هذا فاختيار الصحابة اللحد كان موافقًا وما ثبت للبعض من الشق فلضرورات لكنه على التوجيهين جميعًا لا يصح اختلاف الصحابة في دفن النبي صلى الله عليه وسلم هل يلحد له أو يشق فلا وجه لتخصيص البعد بالتوجيه الأول والجواب أنهم وإن كانوا على ثقة واستيقان من كون اللحد أفضل إلا أن ما لزمه من العوارض جعل الشق مختارًا عندهم وراجحًا على اللحد لا لفضل في نفسه على اللحد بل لتلك العوارض منها ما وقع في تكفينه صلى الله عليه وسلم ودفنه من تأخيرات فلو أنهم اشتغلوا باللحد لزاد التراخي على التراخي،
(١) فقد ورد هذا المعنى في عدة روايات منها ما في جمع الفوائد عن ابن عباس لما أراد أن يحفروا للنبي صلى الله عليه وسلم بعثوا إلى أبي عبيدة بن الجراح، وكان يضرح كضريح أهل مكة، وبعثوا إلى أبي طلحة وكان يلحد فبعثوا إليهما رسولين، فقالوا: اللهم خر لنبيك فجيء بأبي طلحة ولم يوجد أبو عبيدة فلحد النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث، وأخرج ابن سعد في طبقاته عن أبي طلحة قال اختلفوا في الشق واللحد للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال المهاجرون: شقوا كما يحفر لأهل مكة، وقالت الأنصار: ألحدوا كما نحفر بأرضنا، فلما اختلفوا في ذلك قالوا اللهم خر لنبيك، الحديث.