قوله [فسلم عليهم] أي ناويًا بتسليمه المؤمنين، وهكذا يفعل حيث اضطر إلى ابتداء أهل الذمة بالتسليم، وإن لم يكن ثمة مسلم ينوي الحفظة والكتبة والجان.
[باب التسليم عند القيام والقعودي قوله [ثم إذا قام فليسلم إلخ] والحد في تكرار تسلم الغائب ترك المواجهة، فإذا غاب من النظر ثم عاد كرر التسليم، ثم إذا قام ليذهب سلم تسليم الرواح والرخصة.
[باب الاستيذان قبالة البيت]
قوله [ففقأ عينيه ما غيرت عليه] أي لم أغير فعله ولم أمنعه عن ارتكاب ذلك لأنه لم يفعل بأسًا، ويمكن في معناه (١) غير ذلك، ويروى ما عيرت عليه بالعين المهملة، وهو ظاهر المعنى، ثم هذا تغليظ بحت عند الإمام الهمام، ولو ارتكب أحد ذلك ففقأ عينيه تؤخذ منه الدية ولا يقتص منه لما عرت شبهة بلفظ الحديث. والحدود تندرئ بالشبهات، بخلاف الأموال فإنها تثبت بشبهة أيضًا، ولفظ الحديث وإن كان لا يصرح بكونه تغليظًا وتشديدًا إلا أن امتناعه صلى الله عليه وسلم عن فقئ عينيه يؤيد مذهب الإمام، فإن إيتان الحد لو كان على حقيقته لما سقط عن الرجل بتأخره عن الثقب الذي أطلع منه، بل فقأ عينه بالخروج
(١) لعله أشار إلى أنه يحتمل أن يكون من الغيرة بمعنى الدية، ثم اختلفت نقلة المذاهب من الشراح وغيرهم في بيان مسالك الأئمة في ذلك، ولعل ذلك مبني على اختلاف الروايات عنهم، وما يظهر من كلام أكثرهم أن دمه هدر عند الإمام الشافعي في أصح قوليه والإمام أحمد، لا عند المالكية والحنفية، قال القاري: قال ابن الملك عمل به الشافعي وأسقط عنه ضمان العين، قيل: هذا بعد أن زجره فلم ينزجر، وأصح قوليه أنه لا ضمان مطلقًا لإطلاق الحديث، انتهى. وحكى الشيخ في البذل عن الحافظ وغيره مذهب المالكية القصاص، لكن ما في الشرح الكبير للدردير القصاص في العمد والدية في الخطأ، إذ قال: نظر من كوة أو غيرها، فقصد عينه أي رميها بحجر ونحوها ففقأها ضمن يعني اقتص منه على المعتمد، وإن لا يقصد بالرمي عينه بل زجره، فلا ضمان بمعنى لاقود، فلا ينافي أن عليه الدية، انتهى. وقال الشلبي في هامش الزيلعي: من نظر في بيت إنسان من ثقب أو شق باب أو نحوه، فطعنه صاحب الدار بخشبة أو رماه بحصاة فقلع عينه يضمنها عندنا، وعند الشافعي وأحمد لا يضمنها لروايات الباب، ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: في العين نصف الدية، وهو عام، ولأن مجرد النظر لا يبيح الجناية عليه كما لو نظر من الباب المفتوح، وكما لو دخل في بيته ونظر فيه ونال من امرأته ما دون الفرج لم يجز قلع عينه، انتهى. وكذا قال ابن عابدين، وزاد: ولأن قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم الحديث يقتضي عدم سقوط عصمته، والمراد بما روى أبو هريرة المبالغة في الزجر عن ذلك، انتهى. وفي الدر المختار عن القنية: نظر في باب رجل ففقأ الرجل عينه لا يضمن إن لم يمكن تنحيته من غير فقئها، وإن أمكنه ضمن، وقال الشافعي: لا يضمن فيهما، ولو أدخل رأسه فرماه بحجر ففقأها لا يضمن إجماعًا، وإنما الخلاف فيمن نظر من خارجها، انتهى. وجمع ابن عابدين بين ما وقع من الاختلاف في قوليهم، كما لو دخل في بيته ونظر إلخ، ولو أدخل رأسه فرماه إلخ، بأن حمل الثاني على ما إذا لم يمكن تنحيته بغير ذلك، والأول على ما إذا أمكن.