للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب في فضل فاتحة الكتاب]

قوله [فالتفت أبي (١)] وهذا الالتفات لم يضر في صلاته لكونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكن أبيا نظر إلى قوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣]، فاشتغل بإتمام صلاته، ومن ها هنا يعلم أن العالم قطعي العمل ما لم يقم ما يخصه والنبي صلى الله عليه وسلم أورد صيغة عموم أخرى فظهر أن الإبطال بحكم الشارع ليس (٢) إبطالًا، فجاز نقض الصلاة لحادثة نجمت من التي (٣) أذن الشارع لها في إبطال الصلاة إذ كل ذلك داخل في قوله الله عز وجل: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: ٢٤]، ولا يتوهم أن الحديث دال على أن الأمر يوجب الائتمار على الفور لإنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أبي تأخيره ائتماره بقدر إتمام الصلاة؛ لأن الفورية عرضت بقوله: {إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُم} [الأنفال: ٢٤]، وفي الحديث دلالة على تخفيف الصلاة لعارض بتقرير النبي صلى الله عليه وسلم وعدم إنكاره على أبي. قوله [من المثاني] هي ما دون (٤) المئين من السور، وعد


(١) وروى نحو هذه القصة لأبي سعيد بن المعلي أيضًا وتعددت الروايات عن كليهما، وجمع البيهقي بأن القصة وقعت لكليهما معًا، قال الحافظ: يتعين المصير إلى ذلك لاختلاف مخرج الحديث واختلاف سياقهما، انتهى.
(٢) أي ليس بالإبطال المنهي عنه فلا يدخل تحت قوله عز اسمه: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} وإن كان إبطالًا للصلاة ونقضًا لها، وكلام الشيخ مبني على بطلان الصلاة بذلك، والمسألة خلافية عند الأئمة في فساد الصلاة بعد إجماعهم على وجوب الإجابة، كما بسطت في البذل والأوجز.
(٣) أي من الحوادث التي أذن الشرع في إبطال الصلاة لتلك الحوادث.
(٤) هكذا في الأصل، والظاهر أن المذكور في كلام الشيخ قولان وقع في بيانها إجمال مخل، ويحتمل أن يكون المذكور قولًا واحدًا، وعلى هذا فالمراد بما دون المئين ما قبل المئين، وهي السبع الطول، وتوضيح ذلك أنهم اختلفوا في تفسير قوله عز اسمه: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} الآية في المراد بالسبع المثاني على أقوال عديدة: الأول أن المراد به الفاتحة خاصة، وهو مؤدى حديث الباب، ولفظ الموطأ أوضح في ذلك، وهو: هي هذه السورة، وهي السبع المثاني، الحديث. واختلف في وجه تسميتها بالسبع المثاني على أقوال عديدة بسطت في الأوجز، فارجع إليه، والثاني أن المراد بالسبع المثاني السبع الطول، وهي من البقرة إلى الأعراف ستة سور. واختلف في السابعة، فقيل: الفاتحة عد منها مع قصرها، حكاه القاري احتمالًا، وهو المشهور على ألسنة مشايخ الدرس، وإليه يشير كلام الشيخ، وكذا ترجمة أبي داود بقوله: (من قال هي من الطول) وقيل: السابعة مجموع الأنفال والبراءة فيما كالسورة الواحدة، ولذا لم يفصل بينهما ببسملة، هكذا في الجمل، وحكاه السيوطي في الدر ع ن سفيان، وقال العيني: وهو قول ابن عمر وابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك، وقيل: السابعة يونس، وقيل: الكهف، حكاها الحافظ في الفتح والسيوطي في الدر، والثالث أن المراد منه الحواميم السبعة، حكاه صاحب الجمل، والرابع أن القرآن كله مثاني، حكاه العيني عن طاؤس وابن مالك، وفي الجمل: قيل سبع صحائف جمع صحيفة بمعنى الكتاب فإن القرآن سبعة أسباع كل سبع صحيفة وكتاب، فعلى هذا السبع المثاني القرآن كله لقوله عز اسمه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: ٢٣]، والخامس ما روى الطبري عن زياد بن أبي مريم أنها مر وأنه وبشر أو نذر واضرب الأمثال، وأعدد النعم والأبناء، حكاه الحافظ وغيره،
وهذه خمسة أقوال في تفسير الآية، والمشهور عند الحافظ في تفسير المثاني قول آخر وهو أنهم قالوا: أول القرآن السبع الطول، ثم ذوات المئين أي ذات مائة آية ونحوها، وهي إحدى عشرة سورة، ثم المثاني وهي ما لم تبلغ مائة آية، وهي عشرون سورة، ثم المفصل، ذكره الشيخ في البذل تحت حديث ابن عباس قال: قلت لعثمان: ما حملكم أن عمدتم إلى براءة وهي من المئين وإلى الأنفال وهي من المثاني، فجعلتموها في السبع الطول، الحديث سيأتي في التفسير، وإذا عرفت ذلك فكلام الشيخ يحتمل أن يكون بيانًا لقولين: هذا الأخير والاحتمال الأول من القول الثاني، ويحتمل أن يكون بيانًا لقول واحد فقط، وهو الاحتمال المذكور، فإن الفاتحة لم يعدها أحد من المثاني بمعنى الأخير فتأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>