للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله [يا عمر هل تدري من السائل؟ ] وكان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين متشوقين إلى أنه من هو فإنه جمع في سؤاله بين الشريعة والحقيقة، وبين ما لا يمكن استقصاؤه من المسائل، ولم يكن ممن يعرفونه حتى يعلموا أنه من علماء اليهود أو النصارى، فيقضوا بذلك عجبهم فإنهم كانوا عارفين بأحبارهم المشهورين ولم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه لهم ليزيد بذلك اشتياقهم إليه وهابوا أن يسألوه.

[باب ما جاء في إضافة (١) الفرائض إلى الإيمان] قد طال (٢) أقوال العلماء في أن بين العلماء المتكلمين والمحدثين اختلافًا في دخول الفرائض في الإيمان وعدمه، وزيادة الإيمان بها وعدمها، فذهب المتكلمين منعه، وذهب علماء الحديث إلى ثبوته، وهذا مما يتعجب منه، أفترى المحدثين يقولون بأن من لم يعمل فريضة قط فهو كافر أو خالد في النار، أو ترى المتكلمين ينكرون الفرق بين من آمن الآن


(١) غرض المصنف ومن نحا نحوه الرد على المرجئة وهي طائفة من أهل البدع، قال الحافظ: المرجئة بضم الميم وكسر الجيم بعدها ياء مهموزة، ويجوز تشديدها بلا همزن نسبوا إلى الإرجاء وهو التأخير لأنهم أخروا الأعمال عن الإيمان فقالوا: الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، ولم يشترط جمهورهم النطق وجعلوا للعصاة اسم الإيمان على الكمال، وقالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب أصلاً، انتهى. وفي شرح المواقف: المرجئة لقبوا به لأنهم يرجئون العمل عن النية، أي يؤخرونه في الرتبة عنها وعن الاعتقاد، من أرجاه أي أخره وأخره، أو لأنهم يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية فهم يعطون الرجاء، وعلى هذا ينبغي أن لا يهمز لفظ المرجئة، وفرقهم خمس: اليونسية، والعبيدية، والغسانية، والثوبانية، والثومنية، ثم بسط مقالاتهم، وذكر في الغسانية: هم أصحاب الغسان الكوفي قالوا: الإيمان المعرفة بالله ورسوله، وبما جاء من عندهما إجمالاً لا تفصيلاً مثل أن يقول: قد فرض الله الحج ولا أدري أين الكعبة؟ ولعلها بغير مكة، وبعث محمدًا ولا أدري أهو الذي بالمدينة أو غيره؟ وحرم الخنزير ولا أدري أهو هذه أم غيرها؟ وغسان كان يحكي هذا القول عن أبي حنيفة ويعده من المرجئة، وهو افتراء عليه قصد به غسان ترويج مذهبه بموافقة رجل كبير مشهور. قال الأمدي: ومع ذلك فأصحاب المقالات عدوًا أبا حنيفة وأصحابه من مرجئة أهل السنة، ولعل ذلك لأن المعتزلة في الصدر الأول كانوا يلقبون من خالفهم في القدر مرجئًا، أو لأنه لما قال: الإيمان هو التصديق ولا يزيد ولا ينقص، ظن به الإرجاء بتأخير العمل عن الإيمان، وليس كذلك إذا عرف منه المبالغة في العمل والاجتهاد فيه، انتهى.
(٢) يعني المشهور بينهم أن المحدثين والمتكلمين مختلفون في ذلك حقيقة وليس كذلك، بل الاختلاف بينهم لفظي مبني على تفسير الإيمان، كما صرح به الرازي وغيره، ومن رد من الفريقين ليس غرضه الرد على الفريق الثاني كما يتوهم، بل من أثبت للإيمان أجزاء وأفرادًا غرضه الرد على المرجئة القائلة بأنه لا يضر مع الإيمان شيء، ومن نفاها عن الإيمان غرضه الرد على المعتزلة القائلة بأن الكبيرة تخرج المرتكب عن الإيمان، وعلى الخوارج القائلة بأن ارتكاب الكبيرة يدخله في الكفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>