فسره لئلا يتوهم عود الإشارة إلى الثاني فقط لكونه قريبًا فلما ذكر ذلك تبين أن المراد بيان الحديثين كليهما لا الآخر فقط.
[باب ما جاء في كراهية الكي]
قوله [نهي عن الكي] أي من غير ضرورة (١) داعية إليه، وبذلك تجمع الروايات، ويصح اكتواء الأصحاب رضي الله عنهم وإلا فكيف يتصور عنهم مخالفة أمره عليه السلام، فمعنى قوله [فابتلينا فاكتوينا] أنه كان رخص لنا في الكي ضرورة لملابسة النار فيه فينبغي الاحتراز
(١) بوب البخاري في صحيحه من اكتوى، أو كوى غيره وفضل من لم يكتو، قال الحافظ: كأنه أراد أن الكي جائز للحاجة، وأن الأولى تركه إذا لم يتعين وأنه إذا جاز كان أعم من أن يباشر الشخص ذلك بنفسه أو بغيره لنفسه أو لغيره، وذكر البخاري فيه حديث جابر مرفوعًا، إن كان في شيء من أدويتكم شفاء ففي شرطة محجم أو لدغة بنار، وما أحب أن اكتوى، وبسط الحافظ في روايات الباب إباحة ونهيًا ثم قال: والنهي محمول على الكراهة أو على خلاف الأولى لما يقتضيه مجموع الأحاديث، وقيل: إنه خاص بعمران لأنه كان به الباسور، وكان موضعه خطرًا، فنهاه عن كيه فلما اشتد عليه كواه فلم ينجح، وقال ابن قتيبة: الكي نوعان، كي الصحيح لئلا يعتل فهذا الذي قيل فيه لم يتوكل من اكتوى لأنه يريد أن يدفع القدر والقدر لا يدافع، والثاني كي الجراح إذا نغل أي فسد، والعضو إذا قطع فهو الذي يشرع التداوي به، فإن كان الكي لأمر محتمل فهو خلاف الأولى لما فيه من تعجيل التعذيب بالنار لأمر غير محقق، وحاصل الجمع أن الفعل يدل على الجواز، وعدم الفعل لا يدل على المنع بل يدل على أن تركه أرجح من فعله، وأما النهي عنه، فأما على سبيل الاختيار والتنزيه، وإما عما لا يتعين طريقًا إلى الشفاء، انتهى.